نظرية المبررات المقبولة

لقد صار الحصول على مبرر للانحراف أسهل من شرب كأس ماء، طالما قرر الإنسان اختيار أسهل وأقصر الطرق للوصول، متخلياً عن مسؤولياته وأدواره، ووقوفه مع إنسانيته، وسيجد حتماً ودائماً من يعزز خياراته الضالة ويقول له: «ليس المهم أن تبحث في الطريقة ومدى رضا محيطك عنك، المهم هو أن تصل إلى هدفك الذي تريد، فالغاية تبرر الوسيلة»!

هناك الكثير من علماء السلوك، والنظريات السلوكية الحديثة، والكتب وروايات الخيال، وصناع الأفلام والمسلسلات التلفزيونية من يقدمون هذه المبررات من خلال ما يقدمونه من أعمال فنية تستهدف اللعب بالقناعات وخلطها بشكل يفقد الإنسان قدرته على التمييز والتفريق، إنهم يفعلون ذلك متعمدين بهدف تسويق واضح للتفاهة وانعدام الذوق والجريمة والانحراف والتوحش والفساد! استمعت ذات يوم للإعلامية الأمريكية الشهيرة «أوبرا وينفري» وهي تروي قصة حياتها كفتاة بائسة من أصول أفريقية تعيش في المجتمع الأمريكي الذي لم يقصر في القسوة عليها، وإهانتها والاعتداء عليها وإهدار إنسانيتها، فتتوقع أن يؤول مصيرها بعد كل البلاءات التي مرت بها، نزيلة في أحد الملاجئ أو سجينة بتهم ليس أقلها تعاطي المخدرات أو ارتكاب أفعال مخالفة للقانون، وسيكون هناك ألف عذر ومبرر!

لكن النهاية مختلفة وعلى النقيض من النظرية السائدة، فنهاية هذه الفتاة أنها تربعت على عرش الإعلام، وفي مجال البرامج الحوارية تحديداً، بل وأصبحت صاحبة أعلى أجر في العالم بواقع مليون دولار سنوياً، حتى وصل الأمر أن تتناول طعامها مع الرئيس الأمريكي ويصل متابعوها إلى ملايين الناس حول العالم، فتؤسس مشاريع خيرية ومدارس لصالح الفتيات في أفريقيا مثلاً!

لماذا لم تنتهِ أوبرا وينفري كفتاة ليل مثلاً أو تاجرة مخدرات أو عاملة في مصنع؟ لأن لديها أفكاراً كثيرة منذ الصغر آمنت بها، وآمنت بأنها تستطيع أن تقنع الناس بها وأن تبيعها بالسعر الذي تحدده، نعم، أوبرا باعت أفكاراً للإعلام، جنت منها ملايين الدولارات، تبنت قضايا الناس، دافعت عنها، حملتها عبر المجلات والمواقع والجمعيات الخيرية، أوصلت أصوات الملايين لملايين آخرين، باختصار فإن الإيمان بفكرتك وحلمك يضعك على أول الطريق ثم يأتي المال لاحقاً كنتيجة حتمية!