مسلسل «بالدم»!

تعيد كاتبة المسلسل اللبناني «بالدم»، ندين جابر، تفكيك الفكرة وإعادة تركيبها، والفكرة هي نفسها التي تصدى لها المسلسل المصري «بدون سابق إنذار»، الذي عرض في رمضان العام الماضي 2024، دون أن يلفت الانتباه كثيراً؛ لأسباب مختلفة. وفكرة المسلسل المصري تقوم على الأزمة التي يخلفها اكتشاف والدين أن ابنهما الذي يبلغ العاشرة من عمره ليس ابنهما في الحقيقة، وهي الفكرة نفسها التي ينطلق منها المسلسل اللبناني، الذي يبدأ بلحظة اكتشاف محامية أنها ليست ابنة الأسرة التي تنتمي إليها منذ 45 عاماً!

والفكرة أو السؤال بعيداً عن مضمار الدراما هي فكرة مخيفة، تقود الإنسان حتماً إلى طرح أكثر الأسئلة عبثية: ماذا لو أن كل طفل ولد في مستشفى تمت مبادلته بطفل آخر؟ وماذا عن الطريق الذي يمكن أن يسلكه شخص تم تبديله برضيع آخر قبل 50 عاماً على يد عصابات تتاجر بالأطفال؟ إلى أين يمكن أن يصل هذا الشخص في بحثه العبثي الأشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش عن والديه الحقيقيين؟

ثم، وهذا هو الأهم، كيف ستؤول حياته وعلاقاته الحاضرة مع والديه وإخوته وكل أفراد أسرته الذين تربى بينهم أو ربوه على اعتباره ابناً أو ابنة لهم؟ كيف يمكنه استبدال حياته بحياة أخرى وعائلة أخرى لا يعرفها، لكنها عائلته البيولوجية الحقيقية؟ وفي السياق نفسه سيثور السؤال الحتمي: من هي الأم أو الأب، الذي أنجب أم الذي ربى؟ وما الحل الأخلاقي والإنساني الممكن تطبيقه؟! طاحونة أسئلة يمكنها أن تطحن حيوات بأكملها.

يتأسس مسلسل «بالدم» على حكاية رئيسية، هي حكاية المحامية غالية التي تم إبدالها قبل 45 عاماً بطفل آخر لسبب ما، وقصص أخرى جانبية تخص شخوص العمل كلهم، فكل شخصية في العمل لها حكايتها وأفكارها وأزماتها الشخصية مع موضوع الإنجاب تحديداً، ورؤية الحياة والحب والخيانة، هذه القصص تتوازى لتتقاطع في النهاية مع القصة الأساسية، ما يجعل العمل يموج بالتفاصيل والأحداث والحوارات العميقة المكتوبة بذكاء شديد.

يحفل سباق الدراما الرمضانية هذا العام ككل عام بأعمال كثيرة جداً، أكثرها لا قيمة له، لكن وللحق فإن مسلسل «بالدم» هو واحد من أفضل الأعمال الدرامية المعروضة خلال الشهر.