صناعة الجمال

في كل عام تعلن فيه أسماء الفائزات بمسابقات ملكات جمال الكون والعالم، وفي كل عروض الأزياء التي تتبختر فيها فتيات فائقات الحسن بقامات طويلة وأوزان خفيفة جداً وأجساد متناسقة، لابد أن يكون لفتيات شرق أوروبا وأمريكا الجنوبية نصيب الأسد من تلك الجميلات، فلماذا يتكدس الجمال في تلك البلدان يا ترى؟ هل تعود المسألة للجذور والجينات؟ أي للموروثات الجينية الجميلة التي تمتلكها هذه الشعوب فيغدو تناقل وتوارث الجمال طبيعياً من جيل لجيل؟ أم أنه مثلما يمكن صناعة العبقرية كذلك يمكن صناعة الجمال؟

والحقيقة نعم، فمثلما تصنع العبقرية بالتخطيط الحاد والمحفزات المدروسة، لتحويل الأشخاص الموهوبين إلى أشخاص فائقي القدرات أو عباقرة، فإن الجمال كذلك يمكن صناعته بالتخطيط والاستراتيجيات المدروسة! هذا ما تفعله العائلات في روسيا والدول المجاورة لها، والمعروفون بظروفهم المادية والاجتماعية القاسية جداً، وهذا ما يبدو على تصرفاتهم وطريقتهم في التعامل والحديث بشكل عام، حيث الإنسان في نهاية المطاف وليد بيئته وثمرة ظروفه!
تهيئ هذه العائلات المتواضعة بناتها الصغيرات وفي سن مبكرة ليصبحن على درجة عالية من الرشاقة والجمال، وفق قواعد صارمة ومنذ سن مبكرة جداً، حيث تشمل هذه القواعد: الالتزام بنظام طعام صحي طبيعي خالٍ من المواد الدهنية أو السكرية أو الغازية أو المواد الكيميائية الحافظة، فهذا يعتبر من المحظورات في النظام الصحي، مع الحرص الشديد والالتزام التام بحصص نوم كافية وبرنامج رياضي لا تساهل فيه حتى يصير نظام حياة لهؤلاء الفتيات.

والنتيجة فتيات ذات بشرة صحية نضرة، وأجساد متناسقة ورشيقة وخالية من العلل، وعلى كل المنصات التي يعتلينها لا بد أن يحصدن المراكز الأولى، إن في مسابقات الجمال أو عروض الأزياء أو مسابقات اختيار فتيات لإعلانات الماركات العالمية أو اكتشاف وجوه جديدة للسينما. والحق أن الفقر المدقع لا يصنع التخلف والإجرام والمجرمين فقط، لكنه يمكن أن يصنع الجمال كذلك، وكل حسب اجتهاده. وفي كل ما قلناه فنحن نتحدث عن جمال الجسد الخارجي الذي يُشيّء الإنسان ويحوله لسلعة من أجل اقتصادات السوق ودر الملايين.

خارج منصات الجمال فإن حياة الكثير من هؤلاء الجميلات حافلة بالكوارث والانحرافات والأزمات!