تسيطر على البعض أوهام مختلفة، فيصدقونها، ويرتبون حياتهم وفقها، إلى درجة أنهم يجعلونها تتحكم في مجريات حياتهم، وأحياناً في صياغة كل حياتهم، لقد كانت الأساطير والخرافات جزءاً لا يتجزأ من النسيج الثقافي لأي مجتمع، كما كانت كذبات الأهل علينا وتلك الشعوذات والمخاوف التي ربوها في داخلنا جزءاً من طفولتنا (عندما كان الأهل يخوفوننا بالجن وبمخلوقات خرافية تختطف الأطفال وتأكلهم)، فكنا نخاف ونصدق ونستجيب لأية أوامر تطلب منا، لذلك فمن الطبيعي أن يصدق البعض الأوهام التي تملأ نفسه إلى درجة لا يمكنه الخلاص منها أحياناً، خاصة إذا تعطلت آليات التفكير والوعي عنده!!
تجد موظفة بسيطة تقوم بعمل روتيني عادي، أو ربما تقدم عملاً جيداً كبقية زملائها، لكنها لا تحظى بترقية مستحقة حسب تقديرها لذاتها ولعملها، فتنشر في المؤسسة أنها تتعرض لتآمر زملائها ومديرها، لأنها أفضل منهم ولأنها متميزة ولأنهم يخشون منها فيعملون على تجاهلها وطمس مواهبها، ومثلها الطالب والمراهق والزوج غير القادر على إنجاح زواجه والـ... الكل يحمل أوهاماً يهرب بها من مسؤوليته ويلقي بها على الآخرين!
وفي الحقيقة ليس كل ما يظنه الناس عن أنفسهم حقيقياً أو صحيحاً، لكنه الوهم لا أكثر، فبعض الأشخاص أحياناً يديرون حوارات مع أنفسهم أكثر مما يحاورون الآخرين، فيحللون ويستنتجون ويصلون لأحكام قاطعة وظالمة عن الآخرين، من هنا تتأسس الأحكام الخاطئة.
وفي المسافة بين الذات والخارج، تنمو غابات من الأوهام إذا أصررنا على أن تبقى المسافة بينهما مليئة بالحواجز!
مشكلة البعض حين يؤمن بأوهامه، فإنها تتحول في داخله إلى حقائق غير قابلة للنقاش، فإذا جادله أحد أصدقائه محاولاً تغيير بعض قناعاته الخاطئة، فإنّ الأمر عادة ما ينتهي إلى الصدام بينهما أو القطيعة أحياناً، فالأوهام بالنسبة للبعض تعتبر مبرراً ضرورياً للاستمرار والبقاء على حاله، وأحياناً للظهور بمظهر الضحية.
وأي محاولة لتبديدها هي محاولة لسحب البساط أو القوة من يد معتنقها.
من هنا فالتعامل مع أصحاب الأوهام ليس بالأمر السهل، خاصة حين تتحول إلى حالة أو احتياج نفسي أكثر من كونها مجرد تبرير للفشل أو شن هجوم على الناجحين!!