(الوحش الذي يسكنك يمكن أن يكون لطيفاً) هو عنوان كتاب من تلك الكتب التي تحولت إلى موضة بين القراء خلال العشرين سنة الأخيرة، أقصد بها كتب التنمية البشرية، واستراتيجيات تغيير الذات، لكنه واحد من عدد قليل من هذه النوعية التي تناقش موضوعاً ذا قيمة كبيرة لمعظمنا، إنه محاولة للتحليل العميق للمخاوف التي تسكننا، وصولاً لفهمها والوقوف في وجهها، أو على الأقل ترويضها والحد من مخاطرها.
وقبل أن يسأل أحد منكم عن مدى خطورة الخوف، أتذكر معكم المقولة الشهيرة لنجيب محفوظ: «إن الخوف لا يمنع من الموت، ولكنه يمنع من الحياة»! فهل تصل درجة خطورة المخاوف التي تعشّش في داخلنا إلى أن تمنعنا من الحياة؟
وبكل صراحة ووضوح أقول: نعم إنها تفعل ذلك حين نراكم مجموعة من المخاوف في داخلنا ونربيها ونضخمها حتى تصير وحوشاً تقف حاجزاً بيننا وبين الحياة، أو الاستمتاع بالحياة!
لكن ممَّ يخاف معظم الناس بشكل عام؟ بداية لا بد من أن نتفق على أن من يقول أنا لا أخاف من أي شيء في هذه الدنيا، هو أكثر شخص يمكن أن يكون واقعاً تحت وطأة المخاوف، الوحوش الكثيرة التي ترتع في أدمغتنا ليل نهار، إنها لا تفارقنا أبداً، حتى ونحن في أقبية النوم العميق.
فتظهر في أحلامنا على شكل كوابيس وصور غير مفهومة، ورموز تشير إلى وجود ثقوب عميقة في مناطق من طفولتنا وتربيتنا وعلاقاتنا، التي مهما حاولنا تجاهلها أو الاعتراف بها، يتحول هذا التجاهل إلى مجرد ألعاب نفسية لا أكثر، لا تلغيها ولا تعالجها ولا تنتصر عليها بقدر ما تغطيها فقط كطبقة مكياج لا أكثر!!
ممَّ يخاف الناس؟ في الحقيقة فإن معظم الناس في مجتمعاتنا يتربون بالخوف أو بالتخويف، من الجن والأشباح والعفاريت والعقاب وسلطة الأب والحرمان من أشياء كثيرة، فينشأ الطفل وهو يخاف من العقاب، ومن الفشل، وعدم تحقيق النجاح، ومن المجهول، ومن والتغيير، وعدم قبول الآخرين، ومن السلطة أياً كانت تلك السلطة، ثم نبدأ في مراكمة مخاوفنا الخاصة التي تنزرع في داخلنا وتنمو حتى تتحول وحوشاً حقيقية يصعب الخلاص منها.