تتحدث الشاعرة والروائية اللبنانية حنين الصايغ كثيراً، وباستفاضة تملأ ما بين دفتي روايتها (ميثاق النساء)، عن الأعداء الحقيقيين للإنسان، تلك المخاوف التي تسكننا، ولا نستطيع الخلاص منها، بل إننا أحياناً نعتادها، ونأنس بوجودها، مع أنها تمنعنا من أن نعيش الحياة كما يجب، تماماً كما قال نجيب محفوظ (إن الخوف لا يمنع من الموت، ولكنه يمنع من الحياة).
تشبّه الخلاص من تلك المخاوف التي غالباً ما ترافقنا منذ الطفولة، بخلاص الفراشة من شرنقتها، فتلك الفراشة الرقيقة البهية الملونة، هي حشرة حقيرة قبيحة، مندسة داخل شرنقة مظلمة، لا يظهر بهاؤها ولا تبدأ حياتها، ما لم تمزق تلك الشرنقة، وحدها يجب أن تفعل ذلك، لأنها وحدها تعرف متى وكيف، وما الطريقة المثلى للخلاص، دون تدخل أصابع خارجية، فقد يفعل التدخل أثراً عكسياً تماماً، فيدمر الفراشة، بدل أن يسمح لها بممر آمن تعبر منه للحياة.
مخاوف الإنسان الكامنة فيه كثيرة، تراكمت فيه منذ بدأ يدرك نفسه ويعي كينونته، ومنذ تشكلت حواسه، وبدأ يسمع ويرى ويشم ويتحدث ويتذكر ويتأثر، ومنذ بدأ الذين حوله، وخاصة الكبار، والصغار أحياناً، يمدون له أياديهم وألسنتهم ونواياهم وعيونهم ومطامعهم بالأذى والسوء والحب والطمع والحسد والرغبة..
فإذا حدث كل ذلك بعيداً عن أعين الوالدين وحمايتهم، فإن الضرر يحدث خفية، ويتغلغل سريعاً، كفضيحة يحاول الطفل دون وعي حقيقي مداراتها في داخله، خلاصاً من أذاها، ولعدم إدراكه بمخاطرها.
التحرش والتنمر والإساءة والضرب والاحتقار والحرمان والفقر المدقع و... كل ذلك يتراكم في داخلنا، مشكّلاً وحوشاً تنام وتصحو معنا، وتحرس رغباتنا وطموحاتنا، كيلا تنفلت في الاتجاه الصحيح، إنها تحرسنا كي نظل تحت سلطتها.. ولذلك، علينا أن نمزق الشرنقة وننطلق للحياة. وهذا تحديداً ما يناقشه مسلسل في منتهى الأهمية، من ضمن أعمال رمضان هذا العام، تحت عنوان (لام شمسية).
إن ما يتعرض له الطفل يوسف على يد صديق العائلة، يخرب بنيان هذا الطفل، ويزعزع كيان زوجة والده، التي تشكل الأمان والحماية الحقيقية له.. لكن المسارعة في إنقاذه بالشكل الصحيح، هي ما أوقفت سيل الخراب الجارف، الذي كان من الممكن أن يدمر حياة الصغير نهائياً!