دراما رمضان

أول ما يلفت الانتباه إلى الأعمال الدرامية العربية، المتوزعة ما بين المنصات والقنوات التلفزيونية، قوة وتفوق العديد من هذه الأعمال وتماسها مع قضايا وإشكالات وظواهر اجتماعية حساسة وخطيرة، تمكّن كتّاب هذه الأعمال من نبشها ومعالجتها بشكل احترافي وعميق وجاد، كما نالت جهوداً ورؤى إخراجية متقدمة جداً من قبل مجموعة من المخرجين الشباب المنتمين لتيار الواقعية الجديدة في الدراما التلفزيونية والسينما.

لقد استفاد هذا التيار بشكل واضح من التقدم الذي طرأ على أدوات ومدارس الإخراج في العالم بشكل عام، إضافة للتحولات التي أصابت البنى النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمعات والأفراد، والتي صبت إيجابياً في الطريقة التي تعالج بها النصوص التي تبنى عليها هذه الأعمال، دون أن ننسى دور وأهمية ورش الكتابة والسرد في توفير نصوص فائقة الجودة، وذات تماس مع إشكالاتنا وهمومنا (هناك ضوء في مكان ما دائماً).

صحيح أن عالماً من السطحية والتفاهة يراد له أن يطغى وينتشر خدمة لأجندات معلنة وخفية، عن طريق الأدب والسينما والتلفزيون وغيرها من الأدوات، إلا أنه كما يوجد جهد ضخم لإفساد الذوق العام وتمرير قيم فاسدة، فهناك كذلك الكثير من الأدباء وكتاب الدراما والفنانين والناس العاديين الذين يمتلكون وعياً عالياً، ويشكلون حراساً حقيقيين لقيم الجمال والحق والحفاظ على الذوق والحريات.

إن هذا الوعي المجتمعي الذي تشكل عبر سياقات وخضات اجتماعية واقتصادية مررنا بها، لم يعد يقبل بالتخريب وأعمال التفاهة والتهريج، فأصبح انتقاد ورفض الأعمال الرديئة وبصوت عالٍ حقاً متاحاً للجميع، قد لا يمنع الرداءة كلية بالتأكيد، لكنه قد يحد منها ويكشفها ويعري سوءاتها أمام الجميع!

أخيراً، وأمام عدد لا يستهان به من الأعمال الدرامية العربية المتفوقة أداءً ومحتوى وإخراجاً، أجد الكثير من الدراما الخليجية لا تزال تتخبط في موضوعات ومعالجات لا ترقى لمستوى اللحظة التي نعيشها، ولا مستوى وعي الجماهير، ولا مستوى المنافسة القوية المعروضة أمام الجميع.

لذلك أتمنى لو تتخطى هذه الدراما حاجز الخوف في مناقشة الإشكاليات الحقيقية والظواهر الاجتماعية التي تعج بها مجتمعاتنا، وأن يتخطى ممثلونا طريقة الأداء التي تتسم بالمبالغة في التمثيل والتي عفا عليها الزمن، وأن يعلموا أن الجمهور لم يعد يستسيغ هذا النوع من التمثيل الطفولي اللاواقعي.