منطقة الأمان

«.. لم تتقدم علاقتنا خطوة واحدة إلى الأمام، كما لم تتخلف أيضاً خطوة للوراء، وكما يقول زوجي دائماً، هكذا نمكث في نقطة آمنة!..»، هكذا وصفت بطلة رواية «لا يذكرون في مجاز» للكاتبة العمانية هدى حمد، علاقتها الرتيبة بزوجها، وبحثها المستمر عن فكرة مختلفة تشكل مشروعاً روائياً تنشغل بكتابته.

فهل تمكث العلاقات الثابتة كعلاقات الزواج في نقطة آمنة فعلاً؟ النقطة التي يعتقد فيها الزوجان أن مشروع الزواج وإن لم يكن ناجحاً وسعيداً، فإنه على الأقل ليس فاشلاً، بدليل أنه مستمر وآمن.. هل هذا التفسير صحيح؟

وعندما تجرأت «أمل أبو نمر» بطلة رواية «ميثاق النساء» للشاعرة والروائية اللبنانية حنين الصايغ، على كسر جدار الخوف من زوجها ومعارضته استكمال دراستها.

وتوجهت إلى الجامعة الأمريكية في العاصمة بيروت لتسجل نفسها طالبة جامعية، بدت صورتها في مرآة ذاتها امرأة ضعيفة عديمة الثقة بنفسها، متكلفة في لباسها خلاف الطلاب والطالبات الذين كانوا يعبرون أمامها بكل خفة وبساطة، فأرادت أن تغادر المكان، وتمنت لو يرفض طلبها لينتهي ذلك المشهد الذي يحكم الإحساس بالضيق عليها، كانت تود لو تركض خارج المبنى وتعود لهواجسها ويأسها القديم الذي كسرته.. لماذا؟

لأنها كما قالت كانت تشعر بأمان خطير في أن تستكين لليأس، بأن تكون بلا أمل وتتمسك بهذه الحالة المرهقة، ذلك أن كل أمل جديد يحمل احتمال انكساره وما قد يسببه لصاحبه من آلام وغصات جديدة، فهل تشكل المراوحة في منطقة اليأس حالة أمان فعلاً؟ هل هي ذاتها نقطة الأمان التي قصدتها هدى حمد في تفكيك علاقة بطلتها بزوجها؟

يسعى الإنسان للأمان بوصفه احتياجاً ضرورياً لا غنى عنه، كالطعام والشراب والتقدير، و... الأمان أحد أهم احتياجات الإنسان، فإن لم يجده فإنه يستعيض عنه بنقيضه أحياناً؛ باليأس وبالجمود، فهذا أفضل بالنسبة للبعض من أمان لا أمل في ثباته، أو أن هناك احتمال انكساره!

هذا يعود حتماً لنوعية الشخصيات الهشة تحديداً، والضعيفة وغير القادرة على إكمال مشروع المواجهة الذي تحلم به؛ لأن الواقع الذي تتحرك فيه شديد القسوة، ومليء بالتحديات الأكبر من قدرتها على مناطحتها.