كانت الشكوى المتكررة لدى معظم الآباء والأمهات، تتعلق بفشلهم في جعل أبنائهم جزءاً من نسيج العائلة، وإقناعهم بعادات وتقاليد المجتمع، والتحدث باللغة العربية، والتفاعل مع أجواء الأسرة، والتواصل مع أفرادها، وتحديداً كبار السن منهم، والأهم من كل ذلك، محاولة فصلهم عن الهاتف المحمول، ولو لفترة محدودة.
مع مرور الوقت، تلاشت هذه الشكوى، بعد أن اقتنعت الأسر بأن هذه الوضع لا يخص أبناءهم فقط، ولكنه وضع عام تعاني منه معظم الأسر حول العالم، وتحديداً في المجتمعات المحافظة، أو ذات الثقافة الاجتماعية التقليدية، التي تقيم وزناً للعلاقات الأسرية، ومنظومة القيم والأخلاق والعادات و... إلخ، وأن هذا هو الواقع الذي يحكم سيرورة الحياة منذ الأزل، والمتمثل في الفجوة الحاصلة دوماً ما بين الأجيال، بسبب التغيرات والتحولات التي تمر بها المجتمعات بصفة مستمرة، وعلى ذلك، فإن القبول بالأمر الواقع هو الحل الوحيد!
إن (القبول بالأمر الواقع هو الحل)، بقدر ما ينظر له البعض على أنه نوع من المرونة الاجتماعية، وتجنب حالة من الصدام والمواجهات بين الأجيال، سواء داخل الأسرة، أو في المجتمع بشكل عام، إلا أنه في الوقت نفسه إشارة واضحة لاستسلام المجتمع، والأسر تحديداً، أمام تيارات الانسلاخ التي تسلخ الأجيال عن هويتها وثقافتها وقيمها، وهو استسلام لا أساس له من المنطق، سوى عجز المجتمع والأسر عن التصدي للأدوار الأصيلة التي على الأسر ومؤسسات التربية القيام بها، وأولها استمرار توارث القيم ومنظومة الأخلاق والعادات، وقبل كل ذلك الهوية.
إن إيمان الأسر بمنطق سطوة الزمن و(أبناؤكم ليسوا لكم، إنهم أبناء الحياة)، لا يجردهم من أدوارهم ومهمتهم الأولى والأساسية، وإلا فعلى الأسر أن تترك أبناءها منذ اليوم الأول لولادتهم، لتربيهم مؤسسات وأسر أخرى، حيث لا يقتصر دور الأسرة على التنشئة الجسدية، وتوفير الطعام والشراب والمسكن والملبس واللعب، هذه مجرد اختيارات ومكملات لا أكثر، إنما يكمن الدور في ما هو أهم، في حفظ وجود المجتمع، بحفظ هويته وتاريخه وعاداته وقيمه، عبر تناقلها بين الأجيال!