الدنيا.. كراسي

عندما دخلت عيادة الأسنان بعد طول غياب، حيّتني الممرضة الفلبينية ببشاشة بدت لطيفة جداً، وبعد أن بحلقت في شاشة الكمبيوتر الذي أمامها، رفعت رأسها وقالت: يبدو أنك لم تري الطبيب منذ زمن طويل، لا شك اشتقت للعيادة! أدهشني استنتاجها الذي يعوزه المنطق كثيراً، فمن ذا الذي يشتاق لزيارة أي طبيب في هذا الكون الشاسع، فكيف إذا كان طبيب أسنان؟ فبادرتها دون تفكير كثير: طبيب الأسنان هو الشخص الوحيد الذي لا أشتاق إليه أبداً، ابتسمت بعد أن ابتلعت ردي مرغمة وقامت لتقودني إلى غرفة الطبيب.

بعد عشر دقائق جاء الطبيب، ورغم دماثته وحسن أدبه، والتاريخ العلاجي الطويل الذي يجمعني به، إلا أنني لا زلت حتى اليوم أخشى طبيب الأسنان، وتوترني زيارته كثيراً، لذلك أؤجل مراجعته مرة وعشر مرات قبل أن أمتلك شجاعتي وأحجز موعداً ألتزم به بالفعل، ابتسم الطبيب وكرّر عبارة ممرضته: لقد أطلت الغيبة يا أستاذة! فقلت له تمنيتها أن تطول أكثر يا دكتور، أنت تعرف كم يوترني كرسيك هذا!

قبل أن أجلس على ذلك الكرسي المخيف، والذي يستدعي لذاكرتي دائماً تاريخاً من الخوف والألم، سألني لماذا تخشين كرسي طبيب الأسنان؟ قلت له يرتبط الأمر بأكثر من واقعة مؤلمة جداً، مستقرة في ذاكرتي بشكل حي يجعلني كلما رأيت هذا الكرسي أستحضر ذلك الألم، فحاول استحضار تعامله الدمث معي، وبأنه لم يتسبب لي بألم خلال السنوات التي عالجني فيها!

بعيداً عن محاولات الطبيب تسويق نفسه لي، فإن كرسي طبيب الأسنان واحد من ضمن أكثر ثلاثة كراسي يخشاها الجميع: كرسي الإعدام، وكرسي الاعتراف، وكرسي طبيب الأسنان! لكن كرسي السلطة هو أكثر الكراسي الدوارة التي لا تدوم، لكنها اكتسبت صفة الدوران من فكرة عدم ثبات الحال، كالدنيا التي تدور بنا ولا تثبت على حال، وكذلك السلطة وكرسيها!

أما أكثر الكراسي التي يحبها معظم البشر فهو كرسي الطائرة، وكراسي المقاهي والمطاعم، وبالنسبة للنساء فهو كرسي طبيبة التجميل، وبالنسبة لي فإن أحب الكراسي هو كرسي قاعة السينما!