في التعريف المتداول للإنسان يقول ابن خلدون إن الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة، وهذا تعريف صحيح بشكل عام، وإن كان فيه الكثير من التفاصيل التي لا تعمم على الجميع، فليس الجميع كائنات اجتماعية، فهناك من يرى في العزلة أماناً وحلاً ومخرجاً للكثير من الأزمات والتحديات والأخطار، فنحن نعرف أن هناك من يعيش العزلة التامة ويعلن أنه في قمة سعادته بهذه العزلة، وليس على مستوى فردي فقط، فحتى على مستوى الجماعات هناك جماعات وقرى ومدن تحيط نفسها بأسوار من العزلة اتقاء للأخطار التي تعتقد بأنها كامنة في الآخر أو في الخارج!
كل هذا يقودنا إلى موضوع الخوف الكامن فينا والمتربص بنا، وهو يطرح سؤالاً: هل الإنسان كائن خائف بالفطرة مثلما هو اجتماعي بالفطرة؟ أم أن الخوف رد فعل شعوري من الإنسان على ما يتعرض له وما يواجهه ويمر به من مواقف وصدمات ومخاطر؟ هل يحتمي الإنسان بالخوف أو أنه يحارب به؟ هل هو آلية دفاع أم هو شكل من أشكال اختبار العالم ومعرفة حدود وقدرات النفس على الاحتمال والدفاع والمواجهة؟
في ظني الخاص أن البشر مخلوقات تتربى بوسائل وآليات مختلفة، وهي تنضبط وتقاد ويتم السيطرة عليها كذلك بآليات وأساليب مختلفة، ولا شك عندي أن الخوف والتخويف أحد أهم وأول هذه الأساليب وأكثرها أثراً وتأثيراً، لذلك فأول ما يتعلم الطفل هو أن يخاف من والده، وأن يتجنب الغرباء، ويتوجس من المجهول، ويخاف من كل ما لا يعرفه، إنه يهدد بالعقاب والحرمان إذا خالف أمراً أو ارتكب خطأ، والدته تخوفه، ومعلموه وأصدقاؤه ورؤساؤه و..الخ!
لذلك فلا شيء يملؤنا قدر المخاوف، المادية الملموسة، وتلك الماورائية، فنخاف العقاب، ونخاف من الطائرة والظلام والمرتفعات والغرباء والحروب والمرض والفقد والموت والشيخوخة والعجز والخسارة والفشل و... لكننا في النهاية مطالبون بالحياة، فالحياة حق علينا، ويجب أن نحياها كما نستحقها، بلا خوف وبلا مخاوف، وإن أول وأقوى ما نحارب به كل هذه الأشباح هو الوعي والأمل، فلولا الأمل ما احتملنا الحياة!