فضاءات للكتابة

عندما يضيق بي الوقت وتحين لحظة كتابة مقالي اليومي، أجدني في حالة من التوتر والقلق بحثاً عن أمرين لا ثالث لهما: الفكرة التي تستحق أن تكتب وتقدم طازجة للقارئ، فيطالعها باهتمام، ومكان تتوافر فيه أدنى الشروط التي تسمح لكاتب في عجلة من أمره ليكتب بينما يقف على خط السباق معه شبح مخيف يدعى الوقت، يعلم تماماً أنه سيسبقه وسيتغلب عليه بخطوات وليس بخطوة واحدة.

وأنا أكتب هذا المقال تسألني صديقة، هل تودين الجلوس بمفردك؟ هل أضع لك كرسياً في الحديقة؟ هل ترغبين في أن أعد لك فنجاناً من القهوة، شيئاً من الموسيقى؟ كثيراً من الصمت والهدوء.. أخبريني بطقوسك في الكتابة لأوفرها لك!! كل هذا حتى تتيح لي فضاء هادئاً ملائماً للكتابة وترتيب الأفكار، وهي تظن أن هذا كل المطلوب كي ينتج الكاتب نصه أو كتابته!

عن نفسي أوقن أن لحظة الكتابة ليست سهلة بالتأكيد، لكنني أوقن كذلك أن ليس كل الكتاب يكتبون بالطريقة نفسها ويحتاجون للظروف ذاتها، وأن هناك من يكتب في ظروف ربما لا يتخيل كاتب أن ينتج فيها كلمة واحدة.

ولقد دربتني الكتابة اليومية على الكتابة تحت ضغوطات كل الظروف وكل الأمكنة أياً كان إزعاجها وضجيجها وضغطها، لذلك نظرت إلى صديقتي بابتسامة رضا وقلت يمكنني أن أكتب بينما هذا الفيلم الذي تشاهدينه يعمل بكل هذا الصوت العالي، صدقيني لا أحتاج سوى هاتف مشحون وإنترنت أرسل به مقالي للجريدة.

لقد كتبت في الشارع وأنا أنتظر سيارة الأجرة، وكتبت في القطار وفي المحطة والطائرة، كتب في غرف الانتظار في المشافي والعيادات، وفي المقاهي والمراكز التجارية وفي بيوت الأصدقاء، كتبت في المطاعم وعلى طاولات الطعام، في السينما والمسرح وحتى وأنا أحضر حفلاً بديعاً لفيروز يسرق القلب والروح لكنه لم يسرق موعد إرسال المقال، الكتابة تدريب شاق وقاسٍ على التعامل مع الوقت والمكان والفكرة، لا يصبح الكاتب كاتباً ما لم يجتزه بنجاح باهر!