في اللقاء الذي جمعني ظهر البارحة بالدكتور أسامة السعيد، رئيس تحرير جريدة الأخبار العريقة، في مكتبه في المبنى الكائن بشارع الصحافة وسط القاهرة، دارت أحاديث مختلفة بين الحاضرين الذين كان من بينهم رئيس القسم الثقافي وأحد الزملاء الذي عمل معنا منذ سنوات في «البيان»، كان اللافت أن الجميع متوجسون من تفشي سيطرة الذكاء الاصطناعي على النتاج الأدبي والصحفي بشكل عام، وكان السؤال الذي يعمل عليه زميلنا الصحفي هو، هل سيأتي يوم نشتري فيه كتباً تطرح في الأسواق من إنتاج برامج الذكاء الاصطناعي ومذيلة باسمه؟
عن نفسي، أعلم أن هذا حاصل لا محالة، وهذه ليست الإشكالية الوحيدة، ربما يكون الإشكال في نوعية المنتج ومدى صلاحيته للذائقة الإنسانية، فهذه البرامج في نهاية الأمر ليست سوى خوارزميات وبرمجة مصنعة أنتجتها الآلة لا الإنسان، وقد أتقبل وأتعامل مع منتجات تصنعها الآلة كالأجهزة والسيارات والملابس ومواد التجميل و... وما لا حصر له من الأشياء، أما الأدب والثقافة فالأمر يختلف معهما، هذه الصنعة أو المهنة تحديداً لا يصح ولا ينفع أن تنتجها الآلة، حيث لا بد من العاطفة والمشاعر والذائقة والجمال.. وهذه لا تنتجها الميكنة، لكنني مع ذلك لا أستبعد أن يحدث ذلك في القادم من الأيام.
سيتم تدريب البرامج وإعدادها وبرمجتها بلا شك، أما الفشل والنجاح فالأمر عائد إلى الإنسان الذي سيستقبل وسيتفاعل وسيستهلك تلك النتاجات، هل سيقبل أم لا؟ هل سيتذوق نتاجات «الشات جي بي تي» أم لن يتفاعل معها ولن يتذوقها لأنها ستكون خالية تماماً من المشاعر والأحاسيس والتفاعل مع جماليات السرد واللغة وغير ذلك؟
السؤال المهم أيضاً يتعلق بطبيعة الأجيال القادمة، فما هي طبيعة تكوين وتركيبة هذه الأجيال ومنسوب ثقافتها ووعيها للنتاج الأدبي؟ ما هي حدود معرفتها ومطالبها في هذا الاتجاه، وما درجة تمييزها لما له علاقة باللغة والتذوق وجماليات اللغة والشعر والأدب؟ إن لدينا أجيالاً لا تجيد نطق اللغة ولا منطقها وقواعدها وجمالياتها! فهل ستدقق هذه الأجيال فيما سينتجه الذكاء الاصطناعي، أم أنها ستكتفي بالمعلومات والمعارف التي تقدمها الآن محركات البحث وهي لا تختلف عن برامج الذكاء في شيء؟