الفن فيما يخص السينما والتلفزيون يقدم رسالة عظيمة للمجتمع وللفرد كذلك، هذا على الأقل ما قرأناه وعرفناه وكما يتكرر على مسامعنا بشكل دائم، وبالتأكيد فإن هذا الكلام لا يمكن أخذه بتسليم مطلق، لأن ما بين التنظير والتطبيق مساحة شاسعة جداً، خاصة في الفن السينمائي والدراما العربية، والدراما هي ما يتمثل على شكل مسلسلات يومية أو أسبوعية تلفزيونية أو إذاعية، تدور أحداثها عادة حول سلسلة من الأحداث مرتبطة بالثقافة ونمط الحياة الاجتماعية ومجموعة التحولات والأفكار داخل المجتمع العربي، مع الكثير أو القليل (حسب الحاجة) من الرومانسية والإثارة وتوظيف المشاعر والأحاسيس!
هذه المسلسلات والأفلام التي نشأنا وكبرنا ونحن نشاهدها، ونتابع أبطالها، وقد تعلقنا بهم منذ نعومة أظفارنا، تقدم الواقع المعاش ليس كما هو بحذافيره، لكن وفق رؤية وفهم وفكر، وأحياناً توجهات وأيديولوجية، صنّاع الفيلم أو المسلسل، أي المخرجين وكتاب السيناريو والنصوص.. إلخ. فهم في نهاية الأمر يقولون رأيهم ويحاولون التأثير فينا كمشاهدين بما يمتلكون من أدوات تأثير يوظفونها للوصول إلى هدفهم!
واحد من الأسباب الجوهرية التي جعلتني أتعلق بالسينما هو قدرتها على التغلغل في عقل المشاهد، وتحويل الأعمال الإبداعية المهمة لكبار الكتاب والأدباء في الشرق والغرب لأفلام تصبح فيما بعد روائع خالدة.
تحوي هذه الأعمال التي اشتهرت في السينما العربية، قديماً، جملاً وكلمات وأقوالاً تظل ثابتة في العقل الإنساني لا يمكن أن تنسى، ذلك أن روايات نجيب محفوظ ودوستويفسكي وتولستوى ويوسف إدريس والسباعي وغيرهم، إنما تعبر عن فقه عميق وغزير بالحياة، كما تعبر عن فهم وفلسفة ورقي في الحوارات العميقة بين الأبطال، وهذا ما يجعل المشاهد يستمتع بالكثير من أفلام الأوسكار العالمية، التي تتحول بعض عباراتها الواردة على لسان الأبطال أو أحدهم إلى اقتباسات لا تنسى، ومن ثم يمكن أن تصير فكرة عظيمة قابلة للتدوير والمناقشة، بينما نتابع اليوم مسلسلات عربية كثيرة جداً، ولمدة ثلاثين حلقة للمسلسل، فلا يخرج المشاهد منها بكلمة مفيدة، للأسف الشديد!