الفتن التي بلا نهاية!

لا يمكننا إلا أن نضع أيدينا على قلوبنا، وندعو الله أن يعبر الوطن العربي هذه المحنة المزلزلة بسلام، رغم أن الخسائر التي ستتوالى ستكون كارثية بعد المؤشرات المتوالية التي نعيشها منذ عملية السابع من أكتوبر العام الماضي! خسائر على مستوى الجغرافيا التي يخسرها العرب، وعلى مستوى الأرواح التي أبيدت، وعلى مستوى العلاقات التي باتت مأزومة أكثر من أي وقت مضى بين أبناء العروبة والإسلام، أما الحديث عن الخيانات وبيع الولاءات فموال آخر وسط هذه المحنة!


في كل مكان وزمان هناك من يبيع ولاءه للآخرين في سبيل المال والنفوذ والسلطة، ومنذ أيام الغساسنة والمناذرة كانت المملكتان تتناحران لإرضاء الروم والفرس، ولقد بقيت معادلة الولاء الذي يباع لمن يدفع أكثر قائمة لا يصدها شيء ولا يردعها رادع، رغم كل ما مرت به الأمة، السؤال الكبير: لماذا لا نتعلم من أخطائنا؟ لماذا لا نقرأ التاريخ ونعتبر؟


منذ يومين كنت أتابع فيلماً سينمائياً ارتكز في جانب كبير من مادته الأساسية على تسجيلات وثائقية، يتناول الفيلم حكاية مواطن إنجليزي يسافر بالقطار إلى فيينا عاصمة النمسا في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، فيتم تفتيشه بدقة، ويمر على أربع جهات تفتيش تابعة لدول كانت تحتل المدينة. وحين أتأمل حال النمسا اليوم، وكيف آل الأمر إلى كل هذا التقدم والثراء والخلاص من آثار الحرب والخصومات والتناحر؟ وفي المقابل كيف سقطت الأمة العربية في الضعف والهزائم المتتالية، وكيف أنها غير قادرة على الخروج من هذه المستنقعات؟


لقد صدمني الاعتداء على مقر رئيس بعثة الإمارات في الخرطوم، برغم ما يربطنا بالسودان من علاقات طيبة وقوية، فلماذا كل هذا التخريب وهذه الأصوات الداعية له، ولماذا كل هذا العداء السافر لدولة لم تقصر يوماً، ولم تتوانَ في مد يدها لجميع الأخوة بالخير؟ إنها أصابع الفتن التي تتمدد لتصل إلى كل مكان في أوطاننا العربية، والتي لم تجد من يقطعها أو يتصدى لها ويكف أذاها، وإنه الجهل وانعدام الوعي والاستعداد للاستجابة لنداءات الحروب والفتن التي ابتليت بها الأمة تلعب دورها في صب المزيد من الزيت على نيران الفتن!