«العودة» عنوان لفيلم روسي، يعد - حسب النقاد - الفيلم الروائي الأول للمخرج الروسي، أندري زفياغنسيف، قدمه عام 2003، ونال عنه جائزة «الأسد الذهبي» من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، ما لفت إليه اهتمام النقاد ومحبي السينما أو بمعنى أدق هذا النوع من السينما، والأفلام المعتمدة على الفكرة، واستبطان دواخل أبطال العمل من خلال الحوارات التي تحدث على أكثر من مستوى، مستوى الصورة، والكوادر المفتوحة على اتساعها، مستوى التحليل النفسي للشخوص، مستوى فلسفة الحوار، مستوى عناصر الطبيعة، التي تتحول لتصبح أحد أبطال العمل.

في هذا الفيلم تشكل فكرة «العودة» عنوان العمل وثيمته المهمة التي يستند إليها، ويبدأ منها لينتهي بها، كما يشكل الماء حضوراً دائماً لا يغيب عن حياة أبطاله وعيون المشاهدين، وعلى مساحة عريضة من الفيلم، منذ المشهد الافتتاحي الأول، الذي يتبارز فيه أربعة صبية مراهقين للقفز في البحر من أعلى منصة شاهقة إظهاراً لمهاراتهم وشجاعتهم، وحتى مشهد النهاية، الذي ينتهي بغرق القارب الذي يضم جثمان الأب!

لقد كان الماء في الفيلم «عنصراً كاشفاً» للعلاقات، فهو الذي قاد لتوتر علاقة الصبي برفاقه، ووصمه بالجبن حتى كاد يفقد حياته خجلاً من هذه التهمة، وهو الذي جعل الصغير إيفان يجد فيه ضالته لمزيد من الصيد، وإثبات مهارته كصياد، كما أن الرحلة الغامضة للبحر أو الصيد مع الأب كانت الفرصة الأولى لاقتراب الصبيين من رجل عاد لهما من المجهول بادعاء أنه والدهما كما أخبرتهما الأم، لكن هذه الرحلة التي لم تستغرق سوى يومين ربما لم تستطع أن تقرب الطفل أو تقنعه بأن هذا العائد الغريب والده، كما لم تكتمل أساساً، لأنها انتهت بموته ساقطاً من أعلى المنصة وهو يحاول إنقاذ الصغير!

«العودة» ظاهرياً يمكن فهم المفردة كدلالة مباشرة لعودة الأب «من أين عاد يا أمي؟ يسأل الطفل»، فتجيبه الأم: «المهم أنه عاد» فلا يعرف الطفل ولا المشاهد سر الرجل، ولا عودته الغامضة، ولا أين كان؟ العودة التي ألح عليها الصغير للمنزل، لأنه مل وجوده مع الأب لكن لم تحدث، عودة الأب إلى المجهول كما جاء من المجهول.. جميعنا يعيش عودته بشكل أو بآخر!