كل ما تعيشه اليوم، وما تدور حياتك في فلكه، ما يتحكم في سلوكك وردات فعلك وطريقة تعاطيك مع المشكلات والبشر يعود لشيء ما، موقف ما حدث لك في طفولتك، هذا ما يقوله لنا علماء التربية والسلوك والطب النفسي، حين يشعر أحدنا بحالة شعورية من الاكتئاب والنفور، أو الرغبة في الانعزال عن الناس، أو حتى إذا اتضح أن أحداً يعاني من مشاعر سلبية تجاه الآخرين أو الرغبة في إيذائهم، فإن النصيحة التي تقدم في هذه الحالة هي: توجه لأقرب طبيب نفسي.


هذا الطبيب سرعان ما يطرح أسئلته التي تقود في خلاصتها إلى استعادة الماضي البعيد، إلى ما حدث في الطفولة، وإلى موقف محدد لم يتجاوزه أي منا، فترك ندبة في داخلنا، هي ما تتسبب في معظم ما يبدر منا من سلوك. إن الندبة أو (العاهة) التي يولد بها البعض، أو تلك التي تنجم إثر حادث معين، تلازم الإنسان أبد الحياة، وتتسبب له في مواقف وإحراجات وجروح في الداخل لا يستطيع احتمالها أو التعايش معها أو تجاوزها ببساطة، هذه الندبة هي أساس ظاهرة التنمر التي يمارسها الآخرون، وهي أساس انحراف الشخص ووقوعه في إشكالات وسلوكيات وانحرافات كثيرة، يشعر ببعضها ولا يتنبه لكثير منها إلا إذا عرض نفسه للعلاج.


إن أخطر عبارة قالتها أحلام مستغانمي، الكاتبة الجزائرية الشهيرة، هي: «هناك شيء ما حدث في طفولتك، ومن دون أن تعي ذلك، كل شيء سيدور حوله حتى آخر لحظة في حياتك!»، وهو كلام دقيق جداً، ويتفق مع أكثر نظريات التربية والسلوك المعروفة، لذلك ينصح بأخذ الحيطة والحذر في التعامل مع الصغار، وتجنيبهم أية مواقف ومعاملات قد تترك في دواخلهم ندوباً لا تمحى!


حتى في علم الجريمة، فإن أعتى المجرمين اتضح بالتحليل العميق لشخصياتهم أنهم عانوا طفولة بائسة، وتعرضوا لاعتداءات وتنمر وحرمان عنيف خزن فيهم صوراً بشعة ورغبة شديدة في الانتقام؛ لذلك علينا أن ننتبه كثيراً؛ لأنه لا شيء ينسى، ولا شيء يمر من ثقوب ذاكرة الطفولة.