عقد في أبوظبي الأسبوع الماضي، بدعوة من وزارة الخارجية الإماراتية، الدورة الخامسة عشرة من منتدى (صير بني ياس)، وهو منتدى يحضره عدد من متخذي القرار في العالم وكبار المتابعين للشؤون الدولية، أهمية هذا المنتدى تكمن في موضوعين، الأول أنه يتيح تبادلاً حراً وصريحاً لنقاش القضايا الدولية المعاصرة، والثاني أن لا ينسب لقائل قولاً، بسبب سوية المشاركين، والأخير يتيح للمشاركين البوح بما يفكروا فيه بحرية مطلقة.
هذا اللقاء الذي ربما هو الوحيد من نوعه في التنظيم واختيار الموضوعات التي تناقش، يأتي هذا العام في منعطف عالمي خطير، انتخاب رئيس من نوع مختلف في الولايات المتحدة، وتصاعد حرب أوكرانيا وحرب في غزة ولبنان وأيضا بين إسرائيل وإيران، مما يجعل الإقليم على شفا الانحدار إلى الأسوأ، لذلك فإن استطلاع رأي الفاعلين له أهمية قصوى.
ليس في النية هنا طرح كل ما قيل، ولكن تقديم خطوط عريضة للقضايا التي طرحت، وهي متعددة، ولها علاقة بالأحداث الدولية القائمة. الأكثر تأثيراً هو أن الإدارة الأمريكية الجديدة من الصعب توقع بأي اتجاه يمكن أن تأخذها في السياسية الخارجية، قد تكون سلاماً، كما اقترح دونالد ترامب في حملته الانتخابية، وقد تكون تصعيداً من أجل السلام، أي إرغام اللاعبين في أطراف الحروب، أن يصلوا إلى مكان من التوافق، كل ذلك احتمالات ليست مؤكدة، فالسلام يحتاج أكثر من الأمنيات، إلا أن اللافت أن ترامب في دورته الجديدة، ليس بالضرورة أن يكون كما كان في الدورة الأولى، هو الآن أكثر خبرة بالقضايا الدولية، ومما قيل إنه (لا توجد مخاطر كبرى في زمن ترامب الثاني) على عكس ما يتوقع البعض، إلا أن آخرين يرون أن الولايات المتحدة هي الأقوى عالمياً، وهي كما ذكر ونستون تشرتشل (دائماً تعمل الأشياء الصحيحة، ولكن بعد أن تجرب كل الأمور الأخرى)! كناية عن غير المتوقع منها!
هناك استدراك من البعض، أن الإدارة الجديدة قد تذهب إلى حالة من عمل الصفقة، أي أن تفرض توافقاً بين الخصوم، بالإغراء أو بالضغط، سواء في أوكرانيا، أم في الشرق الأوسط، أم في مناطق الصراع الأخرى على قاعدة (اربح – اربح) أي ربح الأطراف شيء مما دخلت الحرب من أجله، ذلك يحتاج إلى جهد دبلوماسي ضخم، وأيضاً هراوة كبيرة تتراوح من الحصار أو حتى الردع إن تطلب ذلك، كما تحتاج إلى جزرة في ثوب مساعدات اقتصادية وازنة تساهم فيها الدول الغنية!
أيضاً ما نوقش الدور الأوروبي في العالم، قد بدا من المداخلات أن (الزمن الأوروبي قد انتهى)، فهو لم يعد فاعلاً في التأثير على القضايا الدولية، فالوضع الاقتصادي الأوروبي صعب، خصوصاً بعد حرب أوكرانيا، وقدرة أوروبا على الفعل في الساحة الدولة تتضاءل، والتوافق الأوروبي بدأ يهتز.
توافق كثيرون على أنه لا يمكن بناء جسور بين العرب وإسرائيل، دون أن يكون هناك دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني، فدون حل تلك المعضلة الكبرى، والتي ولدت الكثير من الأزمات وعطلت التنمية في الإقليم، لن نحصل على استقرار، إلا أن ذلك الأمر يحتاج إلى توافق فلسطيني – فلسطيني حقيقي، بقيادات تتعامل مع الواقع دون مزايدة، وهو أمر يبدو عصياً حتى الآن.
قد تختلف مقاربة الولايات المتحدة مع روسيا والصين، فيمكن أن تتوجه لاسترضاء الأولى، من أجل تقليل التوافق الروسي /الصيني، ولكن من جديد قد تحدث (الصفقة) مع الاثنين لصالح الاقتصاد الأمريكي، والذي يعاني من ارتفاع ضخم في الدين العام.
يحتاج العرب في هذه المرحلة إلى مراجعة أولوياتهم تجاه المتغيرات الدولية على قاعدة المصالح العامة والمشتركة، حيث التغيرات المتوقعة في الاقتصاد أولاً، وفي السياسات ثانياً، يمكن أن تكون كبيرة، بل تحمل الكثير من المفاجآت في عصر غير مستقر.