«إدارة الرجل الواحد»

تنهار المؤسسات التي ترتكز على جهود شخص واحد. وقد تفشل الإدارات عندما تبني جُل عملياتها على همة شخص أو شخصين. يطلق على هذا المفهوم بالإنجليزية «one man show»، أو ما يمكن تسميته بـ«إدارة الرجل الواحد».

وتبرز المشكلة بشكل واضح عند مغادرة «محتكر الإدارة أو المعلومات» في إجازة طويلة، ما يؤدي إلى شلل جهود العاملين، وتباطؤ أداء المؤسسة بسبب غياب من «سُمِحَ» له بامتلاك زمام الأمور من دون رقابة؛ ولهذا فإن الإدارة الناجحة تعتمد على جهود فريق عمل يتمتع كل فرد فيه بصلاحيات يكمل بعضها الآخر؛ ولذلك تصر كثير من المؤسسات المهنية المعتبرة على إلزام الموظف أو القيادي بأخذ إجازته السنوية؛ لأن إصراره على عدم الغياب ينذر بمخاطر خفية، فقد يخشى هذا الشخص انكشاف أمر حاول لسنوات إخفاءه، كاختلاس أو تقاعس، أو ربما اكتشاف الإدارة العليا أن العمل لا يستمر من دونه.

ولذلك تصر الجهات الرقابية على إلزام الشركات المدرجة في البورصة وغيرها على تسكين المناصب الحساسة، فضلاً عن وجود «خطة تعاقب»، تشرح من يَعْقِب من. ولا يكفي ذلك، فلا بد أن يتم إرسال «خليفة» كل مدير إلى دورات احترافية تناسب احتياجاته التدريبية، فضلاً عن تكليفه بمهام الإدارة عند غياب «المدير الفرد». هكذا تضمن المؤسسات أن ظل المدير (أو خليفته) لن يتبعه لدى مغادرته؛ لأنه صار مؤهلاً لتولي زمام الإدارة.

ولهذا تعد من أخطر الممارسات في بيئات العمل غياب الشفافية و«احتكار الإدارة» وحتى احتكار المعلومات، فكل معلومة هي حق أصيل للمؤسسة ولكل العاملين فيها، وينبغي أن تصل إلى الأشخاص المعنيين، لا أن تبقى مخبأة في عقل الفرد. هكذا تنتقل المعلومات من جيل إلى آخر.

ولذلك كان من أبجديات مكافحة تفشي «إدارة الرجل الواحد» ألا يتواصل أحد مع جهات خارجية من دون إرسال نسخة من البريد الإلكتروني لفريق عمله أو مساعده ليبقيه على اطلاع على المحادثات، والالتزامات، واللقاءات، ونتائج الاجتماعات. وهذا الدور يقع أيضاً على عاتق الإدارة العليا بتثبيت ذلك ليس فقط في اللوائح والتعاميم الداخلية، بل التأكد من ممارستها على أرض الواقع حتى تصبح ثقافة متأصلة.

عندما لا يوجد في المؤسسة أحد يحتكر المعلومات، والقرارات، والصلاحيات يمكن أن نقول بأننا نرى بوادر بيئة «عمل مؤسسي» لا تقوم على «الفردانية».

معضلة تجاهل «احتكار الإدارة» أو «التفرد بالقرار» تكمن في أنها مع مرور الوقت تدفع المسؤول إلى أن «يغتر» بقدراته فيندفع في لحظة تسرع نحو اتخاذ قرارات مصيرية خاطئة يدفع ثمنها الجميع.

ولذلك كان أفضل أسلوب في التخلص من إدارة الرجل الواحد تعزيز استخدام الأنظمة الرقمية، وبناء فرق عمل قوية يؤهل فيها كل فرد للقيام بأدوار محددة ذات قيمة مضافة، وتتحول اجتماعاتنا من دعوات مجاملات إلى مشاركة فاعلة تحترم فيها الجهود والآراء.

هناك أسباب سيكولوجية تدفع البعض للخوف من الآخرين وعدم إشراكهم في الصلاحيات والمعلومات، منها هشاشة الفرد نفسه وسطحية معلوماته، فالداخل إليه من تجارب ومعلومات محدود جداً، بعكس المتفاني الذي يتعلم يومياً شيئاً جديداً ويخوض تجارب وتحديات مستمرة تصقله، فيفرح أن ينقل حصيلة جهوده للآخرين لأنهم في الواقع يقوونه ويمدونه بآراء من زوايا مختلفة.

الذي يخفي المعلومة مثل الطفل الذي يمتلك «حلاوة» واحدة لن يفرط فيها لأحد، بعكس من يمتلك مخزوناً هائلاً من «الحلويات» التي يسعد بتوزيعها على الجميع.

لا شك أن بعض أسباب تفشي ظاهرة «إدارة الرجل الواحد» مرتبطة بالثقافة المؤسسية التي تسمح بذلك، ولم يدرك أصحابها مدى عمق مخاطرها. وهناك أسباب أخرى نفسية ذات صلة بتجارب الماضي أو ضعف صاحبها، الذي يخشى أن يفتضح أمره.