رهان الحكومة في دولة الإمارات لا يزال على الإنسان، وأساس الرهان أن الإنسان الفرد القوي إذا غاب، فلا مكان لشيء يقوم مستوياً في مكانه.
في هذا السياق يمكن النظر الى القرار الذي اتخذه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، باستحداث وزارة للأسرة، وتغيير اسم وزارة تنمية المجتمع الى وزارة تمكين المجتمع. وحين تطالع تفاصيل القرار المنشورة، يتبين لك أن توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، كانت في هذا الاتجاه طول الوقت، وكانت في هذا التوجه في كل مناسبة، وكان القصد أن الأسرة أولوية، وضمانة للمستقبل، وزاوية للاستقرار والعمل في الدولة.
هذا كلام يذهب الى هدفه من أقصر طريق، ولا يُضيّع الوقت فيما لا يفيد، وهو أيضاً كلام يُعبّر عن فلسفة في الحكم، لا عن مجرد رغبة في استحداث وزارة جديدة، أو حتى إحلال اسم جديد محل اسم قديم لوزارة قائمة.
والحقيقة أن استحداث وزارة للأسرة ليس المرة الأولى التي تعمل فيها الحكومة في الإمارات على الإنسان من حيث هو انسان، فمن قبل كانت هناك وزارة للسعادة، وكانت الإمارات هي التي استحدثت وزارة بهذا المسمى، ولم يكن لوزارة السعادة نظير في أي عاصمة عربية، وكان استحداثها في وقت مبكر نوعاً من العمل المبكر أيضاً على فكرة الحفاوة بالإنسان كإنسان.
إذ المفهوم بداهةً أن القصد بالإسعاد في عمل تلك الوزارة كان هو الإنسان، ولم يكن هناك فارق بين أن يكون هذا الإنسان المعني أو المقصود مواطناً يحمل جنسية الدولة، أو وافداً يعمل فيها ويقيم فوق أرضها ويتردد عليها. وكذلك كان الأمر عند استحداث وزارة للتسامح، فالمفهوم هنا كذلك أن المقصود هو الإنسان، لأن التسامح كفكرة وكقيمة يبدأ من الإنسان وينتهي عنده.
إننا لا نتصور بناية متسامحة، أو سيارة متسامحة مثلاً، أو أي شيء من هذا القبيل، لكننا نتخيل انساناً متسامحاً في علاقته بالآخرين دون تفرقة على أي أساس مما نسمع عنه أو نقرأ من صنوف التفرقة والتمييز في أنحاء الأرض. كل هذه المعاني البسيطة والعميقة معاً، تستطيع أن تلمحها وراء فكرة استحداث وزارة للأسرة، ويمكنك أن تراها وراء إحلال اسم جديد لوزارة تنمية المجتمع محل اسم قديم.
فالاسم الجديد سيحمل مضموناً جديداً بالضرورة في داخله، والفكرة في استحداث وزارة للأسرة لا تعمل ولا تأتي من فراغ، وفي الحالتين هناك شكل أو فكرة وراءها مضمون، والهدف أمام الوزارتين، سواء المُستحدثة أو التي جرى تغيير اسمها، سيكون هدفاً واحداً.
إن الأسرة في النهاية عدد من الأفراد، كما أن المجتمع عدد في الأُسر في مجمله، وبالتالي، فالعمل على مستوى الوزارتين هو عمل على الإنسان الفرد، وبكل ما يحتاجه هذا الإنسان من إعداد، ومن تهيئة، ومن استعداد، والأهم في الموضوع كله، أنه يأتي في وقت تتعرض فيه فكرة الأسرة لكل ما يمكن أن ينال منها كبنيان، وكبناء، وككيان.
ولا يمكن لأي بلد أن يقطع طريقه الى مستقبله، ما لم تكن عيناه على هذا البنيان، أو البناء، أو الكيان الأسري في وقت واحد، وبالدرجة ذاتها من الرعاية والاهتمام. قد تكون المدرسة مهمة في معركة بناء الإنسان في أي دولة، وقد يكون النادي الاجتماعي مهماً في المعركة نفسها، وقد يكون الجامع أو الكنيسة لهما دورهما في المعركة أيضاً.. وقد يكون.. وقد يكون.. الى آخر القائمة.
ولا بد أن كل هذه الكيانات مهمة بقدر ما إن لها دورها في المعركة.. معركة بناء الانسان.. ولكن أدوارها مجتمعة لا يمكن أن تكون فاعلة، ما لم تكن الأُسرة في كل بيت قد بادرت فقدمت ما لا بد أن تقدمه للإنسان فيها. لا بد، وإلا فإن أدوار كل هذه الكيانات المشار إليها سوف لا تكون منتجة في مكانها، وسوف لا يكون لها الأثر الذي ننتظره أو نتوقعه.
الأسرة بداية فطرية وعصرية في الوقت ذاته، ولأنها بداية فكل ما يأتي بعدها يقوم ويستند إليها ولا يجيء بعدها.