تشرفت بتكليفي من قبل وزارة الثقافة لرئاسة اللجنة الفنية للتراث الثقافي غير المادي بموجب القرار الإداري رقم 342 لسنة 2024. إنه تكليف أعدّه وساماً يحمّلني مسؤولية تاريخية وشرفاً عظيماً لخدمة وطني عبر صون وحماية إرثه الثقافي. إنها مسؤولية ترتبط ليس فقط بالماضي، بل بالحاضر والمستقبل، لتكون الجسر الذي يعبر من خلاله أبناؤنا نحو هويتهم الوطنية الأصيلة، وليستمدوا من جذورهم الثقافية القيم التي تصوغ حاضرهم وتوجه تطلعاتهم.
هذا القرار يعكس الرؤية الحكيمة لقيادتنا الرشيدة، التي أدركت منذ تأسيس الاتحاد أن حماية التراث هي حماية للهوية، وأن صونه يتجاوز دوره الثقافي ليصبح رسالة حضارية تتخطى حدود الجغرافيا. الإمارات، بفضل رؤى مؤسسيها وقيادتها الملهمة، لم تكن يوماً مجرد حافظة لتراثها، بل نموذج عالمي يثبت أن التقدم لا يلغي الأصالة، بل يعززها ويعيد تعريفها في ظل معطيات الحاضر. وزارة الثقافة، تعمل بجهود جبارة للحفاظ على هذا الإرث الوطني، ليس فقط كجزء من الهوية الإماراتية، بل أيضاً كعنصرٍ من عناصر التفاهم الثقافي العالمي.
اللجنة الفنية التي أتشرف برئاستها تضم نخبة من أبناء وبنات الإمارات الذين يملكون خبرات عريقة وتجارب ممتدة في توثيق التراث وحمايته وصونه. ويضم فريق العمل أسماء لامعة من الخبراء وهم سعادة الدكتور عبدالعزيز عبدالرحمن المسلم، والدكتورة فاطمة علي المعمري، والدكتور حمد بن محمد بن صراي، والأستاذة فاطمة أحمد المغني، والأستاذ عبدالله عبدالرحمن العمادي، والدكتور إبراهيم راشد الحوسني، والأستاذ محمد عبدالله الحمادي، والأستاذة فاطمة حميد السويدي، مقررة اللجنة.
هذه الكوكبة من العقول الإماراتية تمثل ضمانة بأن اللجنة ستعمل على تحقيق أهدافها بجودة وكفاءة. لكن حماية التراث ليست مسؤولية حصرية للجنة أو وزارة الثقافة، بل هي مسؤولية مشتركة يجب أن يتحملها جميع سكان الإمارات، مواطنين ومقيمين على حد سواء. الإمارات ليست فقط موطناً لتراث وطني واحد، بل هي بوتقة جمعت ثقافات العالم تحت مظلة التسامح والتعايش. لذا، فإن مسؤولية الحفاظ على التراث تشمل الجميع، لأن الهوية الإماراتية أصبحت رمزاً للتنوع الثقافي والإنساني الذي يعكس القيم الأصيلة للدولة.
وكما نعلم، فإن التراث الثقافي غير المادي يشمل كل ما يجعل الإنسان متصلاً بجذوره الثقافية بطريقة حية، حيث يتجلى في الإمارات هذا التراث في الفنون الشعبية مثل «العيّالة»، التي تجمع بين الإيقاع الشعري والحركي لتعبر عن الفخر والشجاعة، وفي الرقصات التقليدية مثل «اليولة»، التي تُمارس في المناسبات الاجتماعية. كما يشمل التراث الحرف اليدوية مثل السدو وصناعة السفن التقليدية، التي تحكي قصص الكفاح والابتكار.
أما في مجال العادات والتقاليد، فإن القيم الإماراتية الأصيلة، مثل الكرم والضيافة، تشكل جزءاً لا يتجزأ من هذا التراث. الأهازيج الشعبية، والأمثال، وقصص الأجداد التي تناقلتها الأجيال، تُظهر كيف يمكن للتراث أن يكون وسيلة لفهم العالم من منظور إنساني عميق.
أهمية التراث لا تقتصر على الماضي فقط، بل تكمن في قدرته على صياغة المستقبل. فهو أداة للتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. لذلك ستعمل اللجنة الفنية على وضع استراتيجية شاملة لحماية التراث غير المادي. سنبدأ بتوثيق كل عناصر التراث عبر إنشاء قاعدة بيانات رقمية متقدمة، تُسجل فيها كل التفاصيل الدقيقة لكل عنصر من عناصر التراث، باستخدام تقنيات حديثة. وهذا التوثيق يهدف لحفظ وحماية التراث وجعله أيضاً متاحاً للأجيال القادمة بحيويته وعمقه.
الحفاظ على التراث لا يمكن أن يتحقق دون مشاركة مجتمعية واسعة. نحتاج إلى وعي أكبر من جميع أفراد المجتمع بأهمية التراث ودوره في تشكيل الهوية. وعلى الجميع أن يشعر بمسؤوليتهم تجاه هذا التراث. كما أن القطاع الخاص له دور مهم. يمكن للشركات والمؤسسات دعم المشاريع التراثية من خلال الشراكات والاستثمارات التي تضمن استدامة هذه الجهود.
دولة الإمارات، بفضل قيادتها الحكيمة، أصبحت نموذجاً عالمياً يُحتذى في حماية التراث. إنها تحرك كل القوى الناعمة المؤهلة الخبيرة لبناء مستقبل مستدام. حيث أثبتت الإمارات أن التراث يمكن أن يكون لغة تواصل عالمية، وأداة لتعزيز الحوار بين الثقافات. ستبذل اللجنة، قصارى جهدنا لتحقيق رؤية القيادة الرشيدة في صون التراث الإماراتي. وسنعمل بكل إخلاص لنحمي هذا الإرث الثمين وننقله بأمانة للأجيال القادمة، لأنه أكثر من مجرد ماضٍ، إنه هويتنا وروحنا، وهو القوة التي ستبني مستقبل الإمارات المشرق.