ينقل عن رئيس الوزراء البريطاني العمالي في الستينيات من القرن الماضي هارولد ويلسون أنه قال (أسبوع في السياسة طويل) كناية عن أن الأحداث السياسية في ذلك الوقت تتغير بسرعة، فما بالك في عصرنا الحالي، الذي يتسم بالمتغيرات بالسرعة القصوى.
الحدث الأبرز في منطقتنا هو الحدث السوري، وفي خلال أسبوع واحد، تحولت سوريا من مكان إلى مكان آخر، صحيح أن الإرهاصات كانت في الأفق، ولكن حتى أكثر المحللين اطلاعاً لم يكن يتوقعها بهذه السرعة، كما أن الأسبوع الذي مضى شهد بعض التحولات في تصرف السلطة الجديدة، وهي تحولات، وإن كانت شكلية، فإنها مهمة.
ما يحدث في سوريا يشكل فرصة وأيضاً يشكل تحدياً ليس بقليل، الفرصة هي بناء سوريا جديدة على أسس جديدة، كما أن التحديات ضخمة، على رأسها الاقتصادي، ومنها السياسي والعلاقات مع الجوار والعالم.
لا أحد يستطيع الآن أن يجزم إن كانت الفرص هي التي سوف تؤخذ بالجدية اللازمة، أم أن التحديات الكبيرة والكثيرة سوف تعطل الاستفادة من هذه الفرص!
إحدى مشكلات النظام السابق هي (الاقتصاد) بمعناه العام، وقد خلطه خلطاً عبثياً بالسياسة والشعارات.
لقد نمت الديمغرافيا السورية منذ بداية الحكم الماضي حتى سقوطه (1965 – 2024) من ما يقارب الخمسة ملايين نسمة، إلى خمسة وعشرين مليون نسمة، كما أصيب القطاع الاقتصادي الزراعي بعدد من المؤثرات الطبيعية السلبية، ما أدى إلى هجرة السكان من الريف إلى المدن، مع ضيق في فرص العمل، وتبني سياسات اقتصادية مركزية وبيروقراطية سمتها (الاشتراكية) ونضبت القدرات التاريخية السورية في القطاع الخاص الصناعي والتجاري والإنتاجي، التي عرف بها الشعب السوري، وزادت على ذلك السياسات قصيرة النظر التي تبناها النظام في ربط التحالفات والسقوط الأعمى في الشعارات، حتى نفر كثير من النخب السورية، وبعد تصحر الريف تصحرت النخب، وسقطت العملة، وزاد الفقر والقمع، فلجأ النظام إلى ما كان يعرف، وهو العنف، ولقد عرضت على العالم من خلال تغطية المحطات التلفزيونية العربية والعالمية، مشاهد العنف الفظيعة، والتي صح التعبير عنها أنها (تجرد من الإنسانية) وهذا الملف سوف يبقى الحديث فيه إلى سنوات مقبلة، لما شابه من فظائع عرفنا فقط رأس الجبل منها!
لذلك فإن التحديات كبيرة أمام النظام الجديد، ومع الفرحة الغامرة، التي سوف تتراجع بالضرورة، فإن الملف الاقتصادي والملف السياسي للنظام الجديد سوف يفرضان نفسيهما، ومتى ما وضع أمامهما قاعدة (ما مضى يجب ألا يتكرر)، يكون هو على الطريق الصحيح.
ما مضى من الانفراد بالسلطة يجب أن يحل محله إشراك الجميع في شؤون وطنهم، وتحت ظل دستور حديث متوافق عليه، يرسم بوضوح طريقة تبادل السلطة سلمياً.
ما مضى من سياسات اقتصادية مركزية يجب أن يحل محلها إطلاق مبادرات الناس بعيداً عن شعارات الماضي وقيود البيروقراطية.
ما مضى من قطيعة مع الجوار العربي، وهو الحاضنة الأساس والطبيعية، يجب أن تزال أمامه العقبات، ويستعان بالتجارب العربية الناجحة في إدارة الدولة، مع استقلال كامل للإرادة السورية.
ما مضى من تدخل في الشؤون الداخلية للجوار، يجب أن يتوقف، ويترك للآخرين إدارة شؤونهم.
ما مضى من خلط مَرَضي بين السلطات، يجب أن يستعاض عنه بفصل بين سلطة قضائية، وأخرى تنفيذية، وثالثة تشريعية، وإعلام مستنير.
تلك بعض القضايا الملحة التي يتوجب التفكير فيها بجدية، وأيضاً في زمن قصير، لأن المخاطر كثيرة والأطماع أيضاً كثيرة، والزمن، كما قال هارولد ويلسون، يمر بمتغيرات أسرع.
الحق الذي يجب أن يقال، إن السلطة الجديدة أخذت عدداً من الخطوات المبشرة وفي وقت قصير، الأمل أن تسارع لإكمال تلك الخطوات، وأي عربي لا يتمنى إلا الخير والاستقرار للشعب السوري.