محمد العريان: الفيدرالي أمام خيار مهم بعد خفض الفائدة

محمد العريان
محمد العريان

يسود توافق واسع النطاق في الأسواق وبين الاقتصاديين على أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة في اجتماع السياسة النقدية الأربعاء المقبل.

كما يتفقون على أن هذا الخفض ستصاحبه توجيهات مستقبلية تشير إلى تخفيضات أقل في عام 2025 مما كان متوقعاً سابقاً، ومعدل نهائي أعلى، وتوقف في يناير. أما ما بعد ذلك، فسيعتمد بشكل كبير على تطور تفكير الاحتياطي الفيدرالي بشأن معدل تضخم لا يزال أعلى من هدفه البالغ 2%.

تضع الأسواق في الحسبان احتمالاً يتجاوز 90% لخفض بمقدار 0.25 نقطة مئوية في معدل الفائدة الفيدرالي هذا الأسبوع. من المرجح أن يضع المسؤولون «المخططات النقطية» بمعدلات أعلى، على الرغم من التباين في التوقعات بينهم، مع تحرك نحو معدل نهائي أقرب إلى توقعات السوق. وأخيراً، من المتوقع أن يشير رئيس المجلس جيروم باول خلال مؤتمره الصحفي إلى أن الاحتياطي الفيدرالي سيبقي الأمور على حالها عندما تجتمع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في الشهر المقبل، على الرغم من أنه لن يغلق تماماً خياراته لشهر يناير.

ما سيحدث بعد يناير هو موضوع نقاش مثير للاهتمام. يتوقع الكثيرون أن يتبع «التوقف» استئناف للتيسير النقدي، مع استمرار التخفيضات على أساس ربع سنوي طوال عام 2025. بينما يعتبره آخرون مجرد «توقف مؤقت»، ويضعون مزيداً من الشكوك حول تخفيضات إضافية بعد ذلك. قلة فقط، على الأقل في الوقت الراهن، يعتقدون أن خفض يوم الأربعاء قد يمثل نهاية دورة التخفيضات الحالية.

تقييمات مختلفة

التقييمات المختلفة بشأن التضخم، والاقتصاد، ونوايا الإدارة القادمة بشأن السياسات، كلها أمور تفسر هذا التباين في الآراء. كما أن الاختلاف في مسار التخفيف الذي انتهجه «الاحتياطي الفيدرالي» في عام 2024 بفارق حوالي 75 نقطة أساس عن الإجماع الذي ساد الأسواق قبل عام، يلعب دوراً أيضاً.

أكدت بيانات التضخم في الأسبوع الماضي الطبيعة المترددة حالياً للعودة إلى هدف «الاحتياطي الفيدرالي» البالغ 2%، وهو أمر أشار إليه البعض منذ فترة. أظهرت البيانات ارتفاع الأسعار الاستهلاكية، باستثناء التكاليف المتقلبة للغذاء والطاقة، بنسبة 0.3% للشهر الرابع على التوالي، وفقاً للتقرير الذي صدر الأربعاء الماضي. أما تقرير مؤشر أسعار المنتجين، الذي صدر في اليوم التالي، فجاء أكثر احتداماً مما كان متوقعاً. مكونات كلا التقريرين لا تترجم بسهولة على أنها تحقيق سريع لنسبة التضخم عند 2% بالنسبة لمقياس التضخم المفضل لدى «الاحتياطي الفيدرالي».

من اللافت أن هذه البيانات تتزامن مع مفاجآت إيجابية من سلسلة تقارير حول النشاط الاقتصادي والخطط. في الوقت ذاته، وعلى الرغم من أن القليلين يندفعون لتقدير الآثار الدقيقة لسياسات الرئيس المنتخب دونالد ترامب بثقة، فإن الغالبية يعتقدون أن مزيجاً من الرسوم الجمركية المرتفعة، والقيود على الهجرة، وإعادة رؤوس الأموال، والضغوط المالية قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم، قبل أن يحقق رفع القيود التنظيمية والإصلاحات الهيكلية فوائد على جانب العرض. علاوة على ذلك، لدينا مؤشرات على أن ظروف السيولة لا تزال فضفاضة للغاية.

في مثل هذا السياق، سيضطر «الاحتياطي الفيدرالي» قريباً إلى مواجهة خيار سياسة نقدية مهم في ظل تداعيات على استمرارية الوضع الاستثنائي للاقتصاد الأمريكي، وصحة سوق الأسهم.

خفض متشدد

هل سيعيد المجلس تأكيد هدفه البالغ 2% للتضخم بشكل ضمني وصريح، ويبذل جهوداً مضاعفة لتحقيقه؟ قال باول الشهر الماضي: «نحن لا نخمن، ولا نتكهن، ولا نفترض» عندما يتعلق الأمر بسياسات الإدارة القادمة. الالتزام بالهدف الحالي سيشمل قيام الاحتياطي الفيدرالي بإجراء «خفض متشدد» يوم الأربعاء. قد يبدأ من وراء الكواليس التفكير في التحولات المستقبلية، بداية من: «يمكننا الاستمرار في خفض الأسعار لأن الأمر مجرد مسألة وقت حتى يصل التضخم إلى هدفنا»، إلى: «نحتاج إلى الحفاظ على تقييد السياسة لفترة أطول مما توقعنا». في مثل هذا السيناريو، لا يمكن استبعاد اتخاذ مسار معاكس يشمل رفع الفائدة.

أم هل سيعترف «الاحتياطي الفيدرالي» ضمنياً بأنه مع كل التغييرات الهيكلية الجارية، محلياً ودولياً، تحرك معدل التضخم الطبيعي للاقتصاد إلى مستوى أعلى؟ بمعنى آخر، يمكن أن يعمل الاقتصاد بمعدل تضخم أقرب إلى 3% دون المساس بالتوقعات، وبالتالي دون الإضرار بآفاق النمو. إذا كان ذلك صحيحاً، فإنه كلما حاول «الاحتياطي الفيدرالي» فرض الاقتصاد على عالم تضخماً صارماً بنسبة 2%، زادت التهديدات للوضع للاستثنائي للاقتصاد الأمريكي، وسوق الأسهم، والاستقرار المالي.

للتوضيح، هذا السيناريو الثاني ليس سيناريو يتخلى فيه «الاحتياطي الفيدرالي» علناً عن هدفه للتضخم لصالح نطاق جديد بين 2.5% و3%. هذا لن يحدث؛ نظراً للمدى الذي أخفق في تحقيقه خلال السنوات الثلاث الماضية. بدلاً من ذلك، ستستمر تصريحات «الاحتياطي الفيدرالي» العلنية في تأجيل تاريخ الوصول إلى الهدف الحالي. أما من وراء الكواليس، سوف تُدار السياسة بهدف أعلى بحكم الأمر الواقع حالياً. المدة التي سيستمر فيها هذا النهج ستعتمد جزئياً على التقدم الذي تحرزه الإدارة في سياساتها لتعزيز الإنتاجية، وجانب العرض، ونهج الشركات في التسعير، وتطورات الاقتصاد العالمي.

للتعامل مع هذا القرار الحتمي بشكل جيد، سيحتاج «الاحتياطي الفيدرالي» إلى تغيير طريقة صياغته للسياسة. سيتعين عليه الانتقال من الاعتماد المفرط الحالي على البيانات التاريخية، إلى دمج نهج استراتيجي أكثر استشرافاً. المكان الذي سينتهي إليه «الاحتياطي الفيدرالي» في اختياره ستكون له آثار كبيرة على النمو، وكذلك على تقييمات الأسواق وتقلباتها، وذلك في أمريكا وخارجها.