الثقافة السائدة بالعمل

الثقافة السائدة، هي أول صدمة نصاب بها فور الانضمام إلى بيئة عمل جديدة! فبعض أروقة العمل براقة من الخارج، لكن ما أن يمضي فيها الموظف الجديد وقتاً، حتى تنتابه مشاعر ضيق وضجر من أجوائها الخانقة.

فالثقافة «culture»، هي شيء نشعر به، ولا نجده مكتوباً في اللوائح والقوانين، لأنها باختصار القيم والمبادئ وأسلوب العمل الذي يؤثر في طريقة تصرفاتنا في بيئة العمل. وهناك نوعان من الثقافات السائدة بالعمل، الأولى الثقافة القوية «strong culture»، والثانية الضعيفة «weak».

والثقافة القوية، هي الثقافة المؤسسية التي يتمسك العاملون بها بالقيم الرئيسة بكل قوة، وتجد ذلك سائداً في جميع قطاعات المنظمة. فمن يدخل «آرامكو» السعودية، على سبيل المثال، يلاحظ أن قيمها المؤسسية، وهي المواطنة، والسلامة، والمسؤولية، والتميز، والنزاهة، سائدة في جميع مرافقها. فتجد بالفعل الإيمان بالعنصر الوطني، ومسارات تطويره وتدريبه جادة، وفي تقدم مستمر.

والأمر نفسه ينطبق على قضية السلامة، باعتبارها أكبر شركة نفطية في العالم. فمجرد السير في بعض مرافقها، قد يكون محفوفاً بالمخاطر، ما يجعل الالتزام بقواعد السلامة ضرورة حتمية. وتجد كذلك أن المناصب ليست تشريفاً، بل تكليف، لكونها مرتبطة بالمسؤولية. فلا يمكن أن تكون مديراً أو قيادياً هناك، ولا تقبل بحمل المسؤولية على عاتقك.

الثقافة القوية ترسل رسائل واضحة وثابتة consistent لجميع العاملين، حول الأمور الأكثر أهمية في العمل. فالاندماج المرتقب أو التغيير الجذري، مثلاً، ليست معلومات حكراً على ثلة بعينها، بل أمر يعرفه الجميع، ليعملوا سوياً على تخطي الصعاب والتقدم.

عندما يستطيع الموظفون رواية تاريخ المؤسسة ومحطاتها البارزة وقصص نجاحها بفخر واعتزاز، فإن ذلك مؤشر جيد على الثقافة القوية السائدة. وكذلك المقدرة على تعريف الثقافة السائدة هي بحد ذاتها، دليل وجود ثقافة قوية. وكلما كانت الثقافة قوية، زادت مقدرة المديرين على حسن التخطي والقيادة والرقابة بشكل جيد. بخلاف الحال في الثقافة الضعيفة.

ولذلك، فإن الثقافة الضعيفة على النقيض تماماً، حيث تكون الرؤية ضبابية، والقيم –إن وُجدت– لا يشعر بها العاملون في ممارساتهم اليومية. فما فائدة كتابة «النزاهة أو الشفافية» في موقعها، في حين أن كبار المسؤولين يحرضون العاملين على كتمان أمور جوهرية عن عملاء، رغم أنها تقع في صميم حقوقهم التي كفلها القانون والأنظمة الداخلية. وما الفائدة من التغني بالنزاهة، في حين أول من يخترقها هم أصحاب المناصب، بقبول الرشوة، أو التنفيع الشخصي، أو تجاوز اللوائح والقوانين.

الثقافة السائدة في بيئة العمل، تبدأ مع روادها المؤسسين، وتحديداً الإدارة العليا، فسلوكهم يتغلغل في سلوكيات من هم في أسفل الهرم الإداري، جيلاً بعد جيل. ومن الأسباب الأخرى، أن الرواد الأوائل، هم من اختاروا من يشبهونهم، ويعكسون قيم المؤسسة، فيصبح المعينون مع مرور الوقت نسخاً متشابهة.

ولذلك، كان من الأهمية انتقاء القيادات بعناية في بدايات التأسيس، وطوال عمر المؤسسة، لأنه مع مرور الزمن، سوف يضفي هؤلاء القياديون الأكفاء، نكهة جميلة وواضحة للثقافة السائدة، وتصبح سلوكياتهم مرآة لقيمهم. إذن، لا بد من وضوح الثقافة، وتجنب الأجواء الضبابية (الضعيفة)، حتى يمكن للعاملين معرفة كيفية التعامل مع الأطراف في الداخل والخارج، على أساس هذه الثقافة.

تشير الدراسات إلى أن الثقافة القوية تسهم في تعزيز ولاء الموظفين بشكل أكبر، مقارنة بالثقافة الضعيفة، بحسب كتاب الإدارة للبروفيسور سيتفن روبنز وزملائه. وتنعكس كذلك إيجاباً على الأداء المؤسسي، كما أن الثقافة القوية تجعلنا نفهم، مثلاً، لماذا يكون سلوك فلان مقبولاً كموظف أكثر من فلان. غير أن من عيوب الثقافة القوية، أنها قد تحد من قدرة العاملين فيها على تقديم أساليب عمل جديدة.