يبدو أن الحرب في غزة تذهب إلى خواتيمها، ومن غير اللائق أن يقال شيء غير الأسف للنتائج التي تبدو قريبة من النهايات، حيث إن ما حققته عملية السابع من أكتوبر، أنها أنهت تقريباً (ما عرف بمحور المقاومة)، تلك حقيقة يصعب على البعض الاعتراف بها، لأننا تعودنا الاقتراب العاطفي من قضايانا وليس فهمها على أرض الواقع.
ما لدينا من حقائق أن هناك ما يقارب خمسين ألف ضحية في غزة، وهي بعض الأرقام، لأن هناك بشر ما زالت جثثهم تحت الأنقاض، كما لدينا أكثر من مائة ألف جريح ومعاق، وأكوام من الحجارة كانت تسمى مباني سكنية، وسحق للبشر، وأرض غير قابلة للسكن، مع احتمال كبير بكف يد «حماس» كلياً عن إدارة غزة، وأيضاً بقاء الجيش الإسرائيلي، وربما، وهو احتمال، إقامة مستوطنات إسرائيلية.
على صعيد القطب الآخر من «المقاومة» في لبنان، عشرات الآلاف من القتلى، وأجزاء من المدن المدمرة وقتل قيادات، وضعف شديد في إمكانية الحزب المقاوم، بل نفور من بعض بيئته الحاضنة السابقة، وظهور قوى جديدة تنادي بالدولة والاستقرار ونبذ العنف.
في سوريا النتائج واضحة للعيان، في السجون والمقابر الجماعية المرعبة، وفقر وقمع، ما كان ممكناً معه فعل (مقاومة)، إلا إذا كانت على الورق، وقد فقدت سوريا اليوم جزءاً آخر من أراضيها.
أما القوة الثالثة وهي إيران، كما يرى الجميع، فقد خرجت من سوريا، وانقطع حبل السرة بينها وبين حزبها في لبنان.
كل ما تم في الغالب بفعل عملية السابع من أكتوبر عام 2023 التي انتهت بخراب كامل.
الوقت ليس وقت اللوم، الوقت وقت أخذ العبر، فالشعوب التي تفتقد الحريات في داخلها، لا تستطيع أن تدافع عن نفسها أو عن الآخرين، أو حتى أن تكسب أرضاً أو تهزم عدواً.
مع الأسف إن من طبع ثقافة بعضنا السياسية هي (الإنكار) ورسم صورة وردية للهزائم وتبريرها، المؤلم أن نتائج السابع من أكتوبر العام الماضي لن تنتهي فقط على ما تقدم من خسائر بشرية واستراتيجية، ما زالت تفاعلات تلك العملية التي كانت في تقدير كثيرين عملية في حدها الأدنى لم تكن محسوبة النتائج، بل إن تفاعلاتها سوف تبقى معنا، لأن بعضنا سوف يستمر في سياسة الإنكار!
لا أحد يعلم على وجه اليقين ما سوف يحدث من تطور في لبنان، فهناك قضية أساسية اسمها سلاح «حزب الله»، والذي غطي في السابق بشعارات باهته، هي (شعب ـ جيش - مقاومة)، كثير من الشعب اللبناني لم يكن مع فعل «المقاومة»، هذا السلاح يجب أن يسلم إلى الجيش، فالحزب انفض من حوله عدد وازن من مؤيديه، وإن بقي في حالة الإنكار سوف يتعثر قيام الدولة اللبنانية.
حصاد السابع من أكتوبر بعد عام وشهرين من الأحداث في مجمله سلبي للمحور الذي كان يسمى «مقاومة»، والتي بنيت حساباته على أفكار غير يقينية، تريد منع التطور الإقليمي إلى الأمام، فانتكست هي إلى الخلف!
والسؤال الآخر، ماذا سوف يحدث في سوريا، والتي كانت قبل نصف قرن، قبل حكم الأسد، قاعدة العمل العربي، حتى الآن المؤشرات تنبئ عن الأحداث هناك بالسلبي والإيجابي في الوقت نفسه، وربما الوقت قصير للتنبؤ بما يمكن أن يحدث، بعض الأخبار القادمة مغلقة، وقليل منها سار.
إنقاذ سوريا من التعصب، هو إنقاذ للإقليم كله، وذهابها إلى التعصب والوحدانية في اتخاذ القرار الوطني، يقسم الشعب والوطن السوري، وإن حدث ذلك فالإقليم في طريقه إلى الأسوأ.