حسناً فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر في دعمهما العلني للثوار في ليبيا. فمن يساند الشعوب في سعيها الحثيث نحو التغيير ودخول العصر الحديث، إنما يبني علاقة مستقبلية مع تلك الشعوب، علاقة قوامها التقدير والاحترام والتعاون. فمشاركة الإمارات وقطر مع القوات الدولية التي تفرض الحظر الجوي ضد قوات القذافي، لن تكون فقط مفيدة لمشروع حماية المدنيين الليبيين من قصف القذافي العشوائي والهمجي، ولكنها أيضاً عربون صداقة طويلة مع شعب ليبيا الباحث عن الحرية والنماء. والمراقب لخطاب القذافي وإعلامه الرسمي، يسمع علانية عدوانية الخطاب ضد الإمارات وقطر، ويسمع لغة قوامها الشتيمة التي عرف بها القذافي في خصوماته الكثيرة. وبما أن القذافي وفريقه يعتبرون الإمارات وقطر ضمن قائمة الأعداء، ولأن ظروف الثوار الليبيين تزداد صعوبة وقتامة ـ كونهم يخوضون تجربة المرحلة الانتقالية الصعبة ـ فليس أمام دول الخليج اليوم سوى الانتقال بدعمها إلى مرحلة جديدة.
في مقدمة ما ينقص الثوار الليبيين، يأتي السلاح والتدريب. سياسياً، تستطيع دول مجلس التعاون أن تبدأ بــ «لوبي» عربي، لإقناع الولايات المتحدة الأميركية ودول الناتو بأهمية دعم قوات الثوار ـ على الأرض ـ بالسلاح والتدريب. نعرف أن أحد أبرز أسباب التلكؤ الأميركي، هو الخشية من دعم ثوار قد تكون لهم انتماءات لجماعات أصولية مثل القاعدة أو غيرها، وتلك فكرة روج لها القذافي منذ سقوط بنغازي في أيدي الثوار الليبيين. لكن المرجح أن التباطؤ في حسم المعركة لصالح الثوار، ربما شجع بعض مقاتلي القاعدة على الانخراط سراً في صفوف الثوار. التأخير في حسم المعركة لصالح ثورة الشباب في ليبيا، ربما عقد الأوضاع على الأرض، وتلك أمنية القذافي.
والقول بأن المعارضة الليبية «أصولية» الهوى خطأ سياسي واستراتيجي كبير. المعارضة الليبية التي غُيبت طويلاً، متنوعة وغنية بتعددية الأفكار والمدارس. ووجود متدينين في صفوف الثوار الليبيين لا يعني بالضرورة انتماءهم للقاعدة، كما يحرص القذافي وابنه سيف الإسلام على الترويج له. بل إن ثورة الشباب الليبي كشفت عن عشرات الوجوه الليبية التي غيبها القذافي على مدى أربعة عقود متواصلة، من أطباء وسياسيين وإعلاميين، قدرات عميقة في رؤاها، عقلانية في طروحاتها، متفائلة بمستقبل وطنها. المؤسف أيضاً أن ليبيا كلها قد اختزلها القذافي في خصوماته وألقابه الطويلة وشخصيته متقلبة الأطوار!
إن من المصلحة الخليجية، على المدى البعيد، أن تدعم الثورة الليبية علناً، سياسياً وعسكرياً، لأن المستقبل هو لشباب الثورة الليبية التواق للحرية ولتنمية إنسانية مشابهة لتلك التي تعيشها دول الخليج النفطية. لقد سمعنا كثيرا من شباب الثورات العربية المعاصرة، يتمنى أن تحقق بلدانه نهضة وتنمية شبيهة لتلك التي يراها في مدن خليجية مهمة، مثل أبوظبي ودبي والدوحة. دول الخليج أيضاً ضربت أمثلة حية في قدرتها على توظيف عوائد النفط في مشاريع عملاقة، أنتجت اليوم شركات وطنية عالمية، مثل مبادلة وسابك وطيران الإمارات وأرامكو، ومثلها الكثير من المشاريع والأفكار الخلاقة.
هذا الانطباع الإيجابي عن تجربة التنمية في الخليج لدى الآلاف من شباب الثورات العربية، سيبني علاقة إيجابية مع شعوب الخليج إن ساندت دول الخليج، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، الشباب العربي التواق للتنمية والحرية، تماماً كما تفعل اليوم الإمارات وقطر مع الثوار الأبطال في ليبيا.
إن إطالة الحرب بين قوات القذافي المتفوقة سلاحاً وتدريباً، والثوار الذين لا تنقصهم الشجاعة والقدرة على الصمود، لكن ينقصهم السلاح والتدريب ليس من مصلحة أي أحد، خصوصاً الدول الخليجية التي ساندت علناً ثوار ليبيا.
فتاريخ القذافي الدموي الطويل، وخصوماته السياسية التي قادت بلاده إلى كوارث سياسية واقتصادية، كلها أدلة حية على أن الرجل لن يتردد في الانتقام بأي وسيلة وفي أقرب فرصة! والأهم أن دعم ثورة الشباب في ليبيا، هو رهان رابح على مستقبل ليبيا، الذي سيديره شباب ليبي منفتح على العالم الجديد، وتواق لتنمية إنسانية شاملة قوامها العقل والمعرفة والاقتصاد القوي.