المراقب للمشهد السياسي اليمني اليوم، ربما يظن أن الأزمة السياسية الحالية هي فقط بين الرئيس والمعارضة. قليل من يصغي لمئات الآلاف من شباب التغيير في ميادين التغير، في صنعاء وعدن وتعز وإب وغيرها. النظام يتحاور عن طريق وسطاء مع المعارضة، والمعارضة ترص صفوفها وتعيد حساباتها، وفقاً للعبة المصالح السياسية الجديدة ومن أجل أن تصبح بديلاً للنظام القديم. وهكذا يراد لليمن أن يستبدل نظاما قديما بمعارضة قديمة.
النظام والمعارضة ينتميان للتجربة السياسة نفسها، ويدوران في نفس الحلقة! ماذا عن شباب التغيير؟ من يتكلم باسمهم في تلك المفاوضات التي تدور بين النظام والمعارضة؟ إن كان النظام قد أدمن اللعبة السياسية، فإن البعض في المعارضة يمارس انتهازية سياسية لن يتردد بسببها في تقديم تنازلات كبرى، من أجل إزاحة النظام القائم وتقسيم «كعكة» السلطة بين خصوم النظام التقليديين في الشمال أو في الجنوب. رموز المعارضة التقليديون، في الداخل أو في الخارج، وجدوا فرصة ثمينة هيأها لهم ـ من دون قصد ـ شباب التغيير، فركبوا موجة «التغيير» من أجل الوصول للسلطة.
هذه ليست دعوة للقطيعة الكاملة مع المعارضة اليمنية (من داخل أحزاب المشترك أو خارجها)، وليست تقليلاً من أدوار المعارضة في السابق أو تهميشاً لجهدها وتضحياتها، لكنها دعوة للعدالة والموضوعية في فهم محركات التغيير في الشارع اليمني اليوم. ليس من مصلحة اليمن أن تحتكر المعارضة التقليدية الخطاب السياسي المعارض، وليس من فائدة اليمن، أو دول الجوار، أن تُسرق جهود شباب التغيير وتضحياته، كي يصل خصوم الرئيس اليمني التقليديون للسلطة والبدء في سلسلة من «تصفية الحسابات» القديمة والجديدة، على حساب اليمن وشبابه الأبطال.
إن أفضل هدية يمكن أن تقدمها أحزاب المعارضة لليمن، هي أن تفسح الطريق كي نسمع صوت شباب التغيير في ميادين التغيير اليمنية، أولئك الذين ينامون في العراء ويتلقون الرصاص الحي في صدورهم منذ أشهر. لقد سئمنا ذلك الخطاب السياسي القديم الذي يختزل المشهد اليمني في طرفين فقط، هما النظام والمعارضة.
ميادين التغيير اليمنية تحمل خطاباً جديداً مختلفاً، يتناغم ولغة العالم اليوم، ويبحث في أفضل طرق البناء والتنمية والانفتاح على العالم. ولهذا فإن من يريد باليمن خيراً، مطالب بأن يشرك شبابها في حوارات المستقبل، وفي كل المفاوضات التي تبحث عن حل للأزمة اليمنية. الحوار مع شباب التغيير هو حوار مع المستقبل، والتفاوض مع المعارضة فقط هو سبيل لإبقاء اليمن طويلاً في مأزقه السياسي ومشكلاته التنموية. ويخطئ أولئك الذين يصورون المعارضة اليمنية كما لو كانت أطيافاً ملائكية، ستكون «عصاً سحرية» تنتهي بها كل مآسي اليمن من فقر واستبداد وغياب شبه تام لكل مقومات الدولة الحديثة. بل إن في داخل بعض رموز المعارضة «استبدادياً» آخر، سيعبر بشكل أو بآخر عن تلك الروح الاستبدادية متى ما تهيأت الفرصة! وإن أسوأ الأسئلة وأكثرها إهانة لأي شعب، هو ذلك الذي يسأل: ولكن أين البديل؟
إن ميادين التغيير الكثيرة في اليمن، مؤهلة وبجدارة لإنتاج وجوه سياسية شابة، قادرة على التواصل مع الداخل اليمني ومع الخارج، من أجل بناء اليمن الجديد، اليمن الموحد القادر على التعامل مع معطيات الحداثة، بل والمتفوق بشبابه في ميادين التقنية والبناء. فحتى في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية القاسية، كم أخرج اليمن من قدرات شبابية مبدعة في التجارة والتقنية والفنون والاتصال؟ كم من قصة نجاح مبهرة لشباب يمني عصامي تألق في عطائه في الخليج أو نيويورك أو شيكاغو أو شنغهاي؟
من سيخرج اليمن من أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليس رموز المعارضة في الخارج أو في الداخل، بل شباب اليمن الجديد، في الداخل وفي الخارج، ممن يتوق ليمن جديد يستثمر أولاً في طاقاته البشرية، وينفتح إيجابياً على دول الجوار، ويتجاوز سريعاً حسابات لعبة الأمس السياسية التي أرهقت اليمن وشعبه طويلاً.
إن الكلمة الأولى والأخيرة لحل الأزمة اليمنية، وفتح صفحة اليمن الجديدة، لا بد أن تكون في يد شباب التغيير أولاً. هم من يجب فعلاً أن يقرر شكل المستقبل اليمني وأطياف العمل السياسي القادم. أولئك الشباب المبهر في ميادين التغيير، هم الأقدر والأجدر على إدارة مستقبلهم بأنفسهم، مستقبل يبعد اليمن عن «اللعبة السياسية» المملة، ويفتح له أبواب العصر الجديد الذي يمنح فرص النجاح الحقيقية لأولئك الذين لا ينشغلون بالماضي قدر انشغالهم بالمستقبل!