يتردد البعض في دول مجلس التعاون، في الترحيب بما يسمى اليوم "الربيع العربي". وسبب التردد ـ في ما يبدو ـ الخشية من أن يفسر دعم الربيع العربي، كما لو كان تأييداً للفوضى والفلتان الأمني وضبابية الرؤية.

سياسياً، من الخطأ ألا ندعم الربيع العربي. من المصلحة الخليجية أن تنجح الجهود للتأسيس لأنظمة جديدة، أكثر تواصلاً مع هموم شعوبها التنموية ومع معطيات العصر. الأنظمة المنشغلة بحراسة نفسها، لن تجد الوقت للتفكير في التنمية والاقتصاد والتعليم. لا يمكن لدول الخليج أن تنعم باستقرار سياسي أو نمو اقتصادي، إن ظلت تعيش في منطقة متراجعة اقتصادياً وتنموياً، وبين دول تقدم الهاجس الأمني على تحديات الاقتصاد والتنمية.

ولهذا تأتي مناصرة الشعوب العربية التي انتفضت ضد الظلم وانتصرت لنفسها، رهاناً واعياً على المستقبل. فدعم الشعوب هو ـ في الواقع - استثمار في المستقبل، وفتح صفحة من التقدير المتبادل مع الإنسان الباقي، بدلاً من النظام الزائل. أن ندعم الشعوب التواقة للحرية، يعني أن نبني علاقات مثمرة مع أجيال عربية متعطشة للتغيير ولتنمية اقتصادية جيدة، كتلك التي يعيشها بعض دول الخليج. لقد رأينا شباباً في ميادين التحرير والتغيير العربية، وهم ينشدون علناً تجارب تنموية مثل التي تعيشها أبو ظبي ودبي والدوحة.

 وما زال بعض الشباب في بنغازي وغيرها يحملون الأعلام الإماراتية والقطرية، تقديراً للمواقف الإنسانية والسياسية للإمارات وقطر الداعمة للثوار الليبيين في ثورتهم ضد الظلم الذي فُرض عليهم طيلة الأربعة عقود الماضية. والأصوات الخليجية الكثيرة التي تعلن تأييدها لحراك الشباب العربي في مصر واليمن وتونس وليبيا وسوريا، ليست أصواتاً تنادي بخراب أوطانها. إنها تستشرف مصالح المستقبل في محيطها، مثلها مثل دعاة الإصلاح في بلدانها.

الداعون للإصلاح ـ في غالبهم ـ وطنيون قلقون على مستقبل أجيالهم، وحريصون على نمو أوطانهم. وهم يدركون جيداً ان تأييد الشعوب، التي تنزف الدماء يومياً من أجل حريتها ومن أجل الخلاص من ديكتاتوريات أثقلت كاهل البلاد واستعبدت العباد، فوق أنه واجب أخلاقي وإنساني، فإنه يعكس أيضاً رؤية واعية للمستقبل. فمهما تعثرت مسيرة الشعوب فإن أي نظام سياسي يواجه مطالب شعبه السلمية بالجيوش و"البلطجية"، مصيره إلى زوال. الشعوب المنتصرة على خوفها تنتصر حتماً على ديكتاتورياتها. إذن، لتكن وقفة الحق والتأييد مع الشعوب المنتصرة، لا مع الأنظمة المنهزمة. وإن لم نستطع أن ندعم مسيرة الشعوب التواقة للخلاص من استبداد أنظمتها، فعلى الأقل لا نقف في طريقها.

لقد عانينا نحن أبناء الخليج، في السابق، من نظرة بعض إخواننا تجاهنا، نظرة فيها ظلم، اختزلتنا في سلوكيات قلة قليلة منا في أسفارها الباذخة في الخارج، وكثيراً ما اتهمنا ـ على العموم ـ ببعدنا عن قضايا العرب الوطنية وهمومهم القومية. ها هي الصورة اليوم تفصح عن نفسها بنفسها؛ فالأنظمة التي تاجرت كثيراً بـ"القضية" وبالمواجهة مع العدو في الخارج، لم تحرك جيوشها إلا إلى الداخل، إلى شعبها الذي رفض الذل والاستبداد. لتكن فرصتنا اليوم أن نطوي صفحة الماضي، بكل ما فيها، ونفتح صفحة المستقبل مع أجيال عربية قادمة، تواقة للانفتاح على العالم وفهم لغته والاستثمار في معطياته.

التغيير في المنطقة قادم لا محالة.. تلك سنن الحياة، فلنكن إذن سباقين في تعاطينا مع رياح التغيير المنطلقة بقوة. الوقوف في وجه العاصفة يعني الانتحار. ليس أمامنا بديل لمجاراة التغيير والسير في ركابه، من أجل البقاء أو الخروج بأقل الخسائر. فمهما كانت مطالب الإصلاح في دول المنطقة، فإنها تبقى في حدود الواجب تحققه من تنمية إنسانية شاملة، وتكافؤ في الفرص وفسحة أكبر للمشاركة. إن من المصلحة الاستراتيجية لدول الخليج، أن تتفاعل مع قطاع واسع من شبابها في توقه للتطور الإيجابي، وفي حماسه لنصرة أقرانه في العالم العربي ممن هم وقود الحراك الشعبي الذي يعيشه الوطن العربي اليوم.

لقد سئمنا تراجع الوضع العام في العالم العربي بسبب بطء النمو الاقتصادي، وبيروقراطية العمل الإداري، وتراجع مستويات التعليم، وإغلاق النوافذ والأبواب أمام الإبداع والمبادرات الخلاقة. فعلاً؛ أن تعيش في حي آمن ونظيف وحضاري، آمن لك وخير لك من أن تعيش في حي تحكمة عقلية المافيا والبلطجة!

العالم العربي يمر اليوم بمرحلة انتقالية حرجة، ومهما طالت هذه المرحلة فلا بد أن تفضي إلى ما بعدها. كل الثورات تأخذ وقتها حتى تؤتي أكلها، لكن المؤكد اليوم أن مرحلة تغيير كبرى ـ نشهد بداياتها - ستفضي إلى عالم عربي جديد ومختلف. من مصلحتنا خليجياً أن نجاري التغيير، لا أن نركض خلفه أو نقف في وجهه. وأولى الخطوات المهمة، هي أن نساند توق الشعوب العربية المجاورة إلى الانعتاق من وطأة القهر والظلم والتهميش.

وقفة:

إن لم تساند الحق لا تعترض طريقه!