يتمثل جوهر رؤيتي الاستراتيجية للمستقبل في غرب أكبر، يتألف من قوى ديمقراطية تستوعب الصين. غير أن الغرب، بدءاً من الولايات المتحدة، يعيش الآن فترة من الانحلال السياسي.

وفي حين تركز الصين على المدى الطويل وتخطط لمستقبلها، فإن الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، مقيدة بعقلية قصيرة المدى. وهي، في الواقع، لم تعد "ديمقراطية صناعية" بالمعنى الدقيق للكلمة، وإنما "ديمقراطية استهلاكية"، تعاني فيها جميع إشارات ردود الفعل، بما في ذلك السوق ووسائل الإعلام والسياسة، من قصر الأجل، وترمي إلى الإشباع اللحظي. وذلك من شأنه أن يعطي الصين ميزة تنافسية، في ما يتعلق بالقدرة السياسية في الأيام المقبلة.

ومع ذلك، فإن مؤسسات الغرب السياسية ستكون على مستوى التحدي، إذا بادرت إلى تطوير استجابة أكثر فعالية وأبعد مدى للأزمة الراهنة، بدلًا من مجرد التمرغ في الصعوبات الحالية، وهو ما يرجح أن يسفر عن المزيد من الآثار السلبية التي أوصلت الغرب إلى ما هو فيه من فوضى.

ولن تعجز الديمقراطية عن الاستجابة، لو ركزنا على الأهداف الصحيحة. والسؤال اليوم هو ما إذا كانت الديمقراطيات قادرة على الازدهار في ظل أنظمة مالية خارجة عن نطاق السيطرة، ولا تستطيع أن تعود بالنفع إلا على القلة، دون أي إطار فعال يعطينا إحساساً أكبر وأكثر طموحاً بالهدف. وتلك هي المشكلة الحقيقية.

واليوم، هناك اختلال خطير للغاية في التوازن بين الافتقار إلى الانضباط في الميزانية، والالتزام بالتقشف، والعزم على إبقاء التضخم تحت السيطرة، والحفاظ على سياسة اجتماعية مكلفة، دون أي تصور أكبر عن الاتجاه الذي ينبغي أن تسلكه مجتمعاتنا ككل.

ولا أعتقد أن الحل لأزمة اليوم في أوروبا سيفشل فشلاً ذريعاً، إذ إن القيادات السياسية الأساسية في أوروبا، أي ألمانيا وفرنسا بشكل أساسي، إلى جانب بعض الدول الأخرى، تظهر شعوراً بالمسؤولية إزاء مستقبل أوروبا. وهي تصمم بشكل متزايد على تشكيل إطار سياسي، من شأنه أن يحل محل ما كانت عليه أوروبا في الآونة الأخيرة، أي اتحاد مالي بالنسبة للبعض.

ومجتمع سياسي سائب بالنسبة للجميع. وبالتأكيد، فإن تبلور اتحاد سياسي حقيقي سيتم عبر مراحل وخطوات، تبدأ على الأرجح بمعاهدة فعلية يتم التوصل إليها، من خلال اتفاقية بين الحكومات في المستقبل القريب.

وحول ما إذا كانت اليابان ستبقى ضمن نطاق الغرب أو ستنجرف صوب مركز الجاذبية الصيني، فإنني واثق من صدق التزامها بالديمقراطية، إذ إن ثقافتها السياسية الحالية أكثر غربية من ثقافتها السياسية التقليدية، إلا أنها، بطبيعة الحال، تقع في الشرق. ومن شأن علاقة جيدة بينها وبين الصين، أن تسهم إلى حد كبير في تحقيق الاستقرار في الشرق الأقصى، وفي إنشاء علاقة أفضل بين الولايات المتحدة والصين.

وتستطيع أميركا أن تلعب دوراً نشطاً في التوفيق بين اليابان والصين، تماماً كما فعلت في أوروبا بين فرنسا وألمانيا وبين ألمانيا وبولندا، ولكن دون ذلك النوع من التدخل العسكري المباشر في القارة الآسيوية، الذي لجأت إليه في أوروبا.

وعلى الرغم من أن العديد من القرون الماضية شهد نضالاً من أجل الهيمنة العالمية، وأن السنوات العشرين الماضية شهدت لحظة قصيرة كانت فيها أميركا قوة عليا على مستوى العالم، فإننا ندخل الآن مرحلة لا يرجح فيها بروز قوة بعينها.

ولهذا السبب، في رأيي، فإن فكرة توسيع الغرب، الذي ينبغي أن يشمل في نهاية المطاف كلًا من روسيا وتركيا، ستكون عنصراً مهماً للغاية، يساهم في زيادة الاستقرار العالمي. فمن شأن غرب أكبر، تقوم فيه الولايات المتحدة بدور الموفق، والموازن في الوقت نفسه في آسيا، أن يكون أكثر قدرة على صياغة سياسات بناءة للتعامل مع القضايا العالمية، من عالم يعج بالاضطرابات والصراعات.

ويضم مجموعة كبيرة من اللاعبين الصغار الذين يتنافسون على تحقيق مصالحهم الشخصية. وحينها، سيكون من المستحيل وضع أي تسوية واسعة النطاق، في سبيل الحفاظ على الاستقرار.

أما بالنسبة لمجموعة العشرين، فهي لديها بعض المحركين الحقيقيين على الصعيدين الاقتصادي والسياسي كليهما، ولكن أيضاً العديد من المتطفلين الموجودين هناك، لمجرد أنهم يناسبون قياساً إحصائياً معيناً.

وفي السنوات الأخيرة، انتقلت القيادة الصينية من الموقف الدفاعي، المتمثل في "النهضة السلمية"، إلى مذهب المشاركة الجديد الذي اقترحه المنظر الصيني تشنغ بيجيان، والذي يدعو إلى "توسيع التقارب في المصالح لبناء مجتمع من المصالح".

ومع ذلك، فإن الصين لا تزال مترددة في تأكيد دورها القيادي العالمي، على الرغم من أنها تعتبر أكبر دائن في العالم.

وعمد تشنغ إلى صقل فكرته عن "تقارب المصالح"، في محادثات مع هنري كيسنجر ومعي ومع أشخاص آخرين. فتقارب المصالح عبارة عن عملية، وهو مؤشر إلى أن الصينيين جادون في سعيهم للعب دور عالمي، دون أي طموحات للهيمنة، في الوقت الراهن.

وحول ما إذا كانوا سيسعون إلى فرض هيمنتهم في المستقبل، فإن ذلك يعتمد على ما إذا كنا نحن الغربيين سنهيئ الظروف المناسبة لتقارب المصالح، أو ما إذا كان التكيف مع شعوب أخرى، بدلاً منا، سيصبح ضرورة بالنسبة لمصالحهم الوطنية. لذا، يتعين على الصين أن تحدد الدور الذي تريد أن تلعبه. فمع المكانة المرموقة، تأتي المسؤولية والالتزام. وأنا أعتقد أن الصينيين يدركون ذلك، ولكنهم يريدون صوتاً رئيسياً في النظام الجديد، الذي يتعين عليهم المشاركة في تحمل مسؤوليته.

وفي ضوء مد الديمقراطية في العالم العربي وما نجم عنه من عودة الأحزاب الإسلامية المقموعة منذ أمد طويل، فإنني أؤيد جعل تركيا أقرب ما تكون إلى الغرب. فهي تشكل، بلا شك، أفضل حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن العالم ينظر إلى تركيا باعتبارها نموذجاً يبرهن على أن الأحزاب الإسلامية تستطيع التكيف ضمن إطار ديمقراطية علمانية، فأنا لا أرى أنها تمثل نموذجاً للديمقراطيات العربية الجديدة، إذ إنه لا وجود لديمقراطيات عربية جديدة.

وينبغي علينا ألا نخلط بين الصحوة السياسية في العديد من البلدان العربية، وما نجم عنها من حركات شعبوية نشطة للغاية، وبين المظهر الفعلي للديمقراطية.

ما يحدث هناك قد يفضي إلى الديمقراطية، ولكنه قد يفضي كذلك إلى الدكتاتورية الشعبوية. وتشكل تركيا، بطبيعة الحال، مثالاً على توافق الإسلام مع الديمقراطية العلمانية، ولكن حتى الآن ليس هناك تقليد لها قابل للتطبيق في العالم العربي.