بمناسبة مرور أكثر من أربعة عقود على تأسيس دولتنا الحبيبة.. إماراتنا الجميلة، وجدتني أخلو إلى نفسي، من أجل مراجعة وتقييم ما حققته بلادي خلال سنوات الاتحاد من إنجازات، وما ترتب على ذلك من آثار كانت لها دلالات واضحة على الوطن والمواطن، وكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة.

وقد تعلمت خلال سنوات دراستي سواء على أرض الوطن أو في بلاد الغرب وعلى سبيل التحديد في الولايات المتحدة وانجلترا أن أهم ما يجب على الباحث اتباعه عند تقييمه لأي موضوع التزام الحيدة العلمية، والبعد عن كل ما من شأنه أن يؤثر سلباً على نتائج التقييم أو يطعن في مصداقيتها، أو يجعلها تأتي متدثرة بعباءة الأهواء الشخصية في خصام واضح مع الواقع والموضوعية. ومن هذا المنطلق رأيت أن يأتي تقييمي في شكل أسئلة مفترضة يطرحها لسان الخصم الناقد لأجيب عليها بقلم الباحث المحايد، مع مراعاة الحياد الكامل باعتباره ضرورة علمية يلتزم بها الباحث التزاماً صارماً، وإلا فقد مكانه ومكانته في ساحة البحث العلمي. وفي رأيي أنه لا يمكن تقييم المواقف بعيداً عن أصحابها، أو مستقلة عن مصادرها، وإنما يتعين أن ينسب الفضل لأهله، والأداء لمن قام به، والمبادرة لمن قدمها، والخير لمن سعى إليه. وبالتالي فإن الأمانة العلمية تفرض عليّ عند الإشارة إلى ما حققته الإمارات من إنجازات أن أنوه إلى سيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وما صدر عن سموه من قول أو فعل كمبادرة لتحقيق هذه الإنجازات، أو الدعوة إليها، أو تقديم الدعم اللازم لها.

ولعل أول سؤال يطرح في هذا المقام ما هي المحطات الأساسية في مسيرة سيدي صاحب السمـو رئيس الدولة، حفظه الله؟

والواقع أن مسيرة سموه تمتد لتشمل العديد من المناصب التي شغلها والمسؤوليات التي أوكلت إليه على مدى قرابة أربعين عاماً، والتي قام بالوفاء بها على خير وجه.

وكانت المحطة الأولى لتوليه المسؤولية في 18 سبتمبر 1966 عندما صدر قرار صاحب السمو حاكم أبوظبي بتعيين سموه بمنصب "ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية، ورئيس المحاكم فيها" وكان لهذا المنصب أثر واضح في حياته، حيث أتيحت لسموه خلال وجوده بمدينة العين فرصة كبيرة للاحتكاك اليومي بالمواطنين، الأمر الذي يسر له الاطلاع عن كثب على أحوالهم، والتعرف على تطلعاتهم وآمالهم.

وفي الأول من فبراير 1969 عُين سموه ولياً لعهد إمارة أبوظبي ورئيساً لدائرة الدفاع، وتولى بحكم منصبه قيادة قوة الدفاع في الإمارة، وقام بدور أساسي في تطويرها، وظهرت بصماته واضحة عليها، حيث قام بتحويلها من قوة حرس صغيرة إلى قوة متعددة المهام ذات شأن عظيم، وعمل على تزويدها بأحدث الأجهزة والمعدات المعروفة في ذلك الوقت. وفي الأول من يوليو 1971 تولى سمـوه رئاسـة أول مجلس وزراء محلي لإمارة أبوظبي، بالإضافة إلى وزارة الدفاع ووزارة المالية في نفس المجلس.

وبعد إعلان قيام الدولة الاتحادية، وفي ديسمبر 1973 عين سموه نائباً لرئيس مجلس الوزراء في الحكومة الاتحادية، إلى جانب مسؤولياته المحلية. وبعد إلغاء مجلس الوزراء المحلي، أصبح سموه في فبراير 1974 أول رئيس للمجلس التنفيذي الذي حل محل مجلس وزراء أبوظبي في كافة اختصاصاته ومسؤولياته. وخلال رئاسته للمجلس التنفيذي أشرف سموه على كافة مشروعات التطوير والتنمية التي شهدتها أبوظبي وتابع تحديثها بنفسه، حيث أعطى اهتماماً كبيراً لمشروعات البنية التحتية، فضلاً عن تطوير مختلف المرافق الخدمية. ويحسب لسموه قيامه بإنشاء جهاز إداري متطور، بالإضافة إلى تأسيس منظومة تشريعية متكاملة انطلاقاً من إيمانه بأن ذلك كله يعد بمثابة حجر الزاوية لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي العام 1976، تولى سموه إلى جانب مسؤولياته على رأس المجلس التنفيذي تأسيس ورئاسة مجلس أبوظبي للاستثمار وهو الجهة المسؤولة عن إدارة الاستثمارات المالية فضلاً عن المحافظة على مصادر دخل مستمرة للأجيال القادمة.

وقد أطلق سموه العديد من المبادرات التنموية التي كان لها مردود إيجابي على حياة الناس، وأحدثت آثارا اجتماعية عميقة. ومن بين أبرز هذه المبادرات إنشاء دائرة الخدمات الاجتماعية والمباني التجارية، التي عرفت بين الناس بـ " لجنة الشيخ خليفة ". وقد كان لهذه الدائرة نشاط واسع ساهم بصورة فعالة في ازدهار النهضة العمرانية في إمارة أبوظبي.

وقد تولى سموه منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في الحكومة الاتحادية، حيث أولى عناية فائقة، واهتماماً بالغاً بالقوات المسلحة. وقد أسفرت جهوده في هذا المجال عن العديد من النتائج الإيجابية على صعيد التجهيزات والتدريبات العسكرية، فضلاً عن الارتقاء بقدرة القوات المسلحة على استيعاب التقنيات الحديثة، والأساليب المتطورة التي حرص سموه على توفيرها لمختلف القطاعات التابعة لها.

والواقع أن مسيرة سيدي صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، تحفل بالعديد من الإنجازات المضيئة. فقد أسهم سموه في صياغة عقيدة عسكرية مستمدة من ثوابت السياسة العليا للدولة القائمة على انتهاج سياسة الاعتدال، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، واحترام المصالح المتبادلة. وفي ضوء هذه الثوابت، اهتم سموه بصياغة سياسة دفاعية تقوم على صيانة استقلال وسيادة الدولة ومصالحها، حيث أسهمت هذه السياسة في وضع القوات المسلحة الإماراتية في موقع متميز أكسبها احترام العالم أجمع.

وجدير بالذكر أن حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة لم يكن لها أي خطة استراتيجية من قبــل، وكــــانت أول خطة استراتيجيـة تشهــدها في عهـــد سيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله.

ونواصل معاً في الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى الاطلاع على صفحة مشرقة جديدة من مسيرة سيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وما قدمه لوطنه من فكر وجهد ومساندة كان لها أبلغ الأثر فيما تنعم به البلاد الآن من تقدم ورقي وازدهار.