يمكن أن تثور عدة تساؤلات حول الضمانات التي توفرها الدولة، والتي تكفل عدم انتهاك مختلف الحقوق والحريات.

فيتساءل البعض، سواء بحسن النية أو لغرض في نفس يعقوب، قائلاً، إذا كانت الممارسة العملية تشهد باحترام الدولة لحقوق المواطَنة وحقوق المرأة، وحقوق الأجانب أو العمالة الوافدة وحقوق الإنسان، فما الضمانات التي تكفل استمرار الدولة في احترام هذه الحقوق والحريات، وتجعل المحافظة عليها واجباً يلزم الجميع، وتتيح لصاحبها حق المطالبة بها واستعادتها إذا ما تعرضت للانتهاك أو لأي شكل من أشكال المساس بها أو تقليصها أو الحد منها؟ والواقع أن أولى الضمانات التي تكفل عدم المساس بالحقوق والحريات والحفاظ عليها، إنما تتمثل في دستور البلاد، وهو التشريع الأسمى الذي يعلو على كافة القوانين الأخرى، ويفرض عليها أن تسير في ركابه دون أي مخالفة أو مساس، بما يضمه من قواعد ومبادئ.

وفي سبيل حماية حقوق المرأة والطفل ينص الدستور في المادة (16) على أن «يشمل المجمتع برعايته الطفولة والأمومة ويحمي القُصّر وغيرهم من الأشخاص العاجزين عن رعاية أنفسهم...»، وتنص المادة (21) على حماية الملكية الخاصة فتقول «الملكية الخاصة مصونة...»، وتضمن المادة (25) المساواة بين جميع المواطنين، سواء كانوا رجالاً أم نساء فتقول «جميع الأفراد لدى القانون سواء، ولا تمييز بين مواطني الاتحاد بسبب الأصل، أو الموطن، أو العقيدة الدينية، أو المركز الاجتماعي».

وتأتي المادة (26) لتحمي الحرية الشخصية للجميع، وهي من أخص حقوق الإنسان، سواء كانوا مواطنين أم غير مواطنين، فتقول «الحرية الشخصية مكفولة، ولا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه أو حجزه إلا وفق أحكام القانون، ولا يُعرَّض أي إنسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة».

وتقرر المادة (28) أن «العقوبة شخصية، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية وعادلة...»، كما تقرر المادة (33) أن «حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات مكفولة في حدود القانون»، وتؤكد المادة (36) على حرمة المسكن الخاص فتقول «للمساكن حرمة، فلا يجوز دخولها بغير إذن أهلها، إلا وفق أحكام القانون، وفي الأحوال المحددة فيه»، وتكفل المادة (30) حرية التعبير، فتقول «حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير، مكفولة في حدود القانون»، كما تضمن المادة (31) حرية الاتصال، فتقول «حرية المراسلات البريدية والبرقية وغيرها من وسائل الاتصال وسريتها مكفولتان وفقاً للقانون».

وتأتي المادة (35) لتضمن المساواة بين جميع المواطنين في شغل الوظائف العامة، ويشمل ذلك الرجال والنساء، فتقول «باب الوظائف العامة مفتوح لجميع المواطنين على أساس المساواة في الظروف، ووفقاً لأحكام القانون...»، وتنص المادة (40) على حماية الأجانب، فتقول «يتمتع الأجانب بالحقوق والحريات المقررة في المواثيق الدولية المرعية، أو في المعاهدات والاتفاقيات التي يكون الاتحاد طرفاً فيها، وعليهم الواجبات المقابلة لها»، ثم تأتي المادة (41) لتضمن حق التقاضي للجميع، ويشمل ذلك المواطنين والأجانب والرجال والنساء، فتقول «لكل إنسان أن يتقدم بالشكوى إلى الجهات المختصة بما في ذلك الجهات القضائية، من امتهان الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الباب».

وفي مواجهة هذه النصوص القاطعة في حماية الحريات والحاسمة في صيانة الحقوق، يتساءل بعض المتشككين عن الضمانة الثانية، فيقولون، وماذا يضمن التمسك بهذه النصوص وتطبيقها على الواقع العملي؟ وهل يعترف المسؤولون بوجودها أم يتجاهلون الإشارة إليها، وكأنها غير موجودة في الدستور؟! وما الدرع التي تحمي هذه النصوص؟ من الواضح، أن من يطرح هذه التساؤلات ليست لديه أدنى فكرة عن الإمارات أو حكام الإمارات، وإنما يوجه أسئلة ببغائية خالية من كل مضمون.

فالواقع أن حكامنا هم أول من يحمي الحقوق ويصون الحريات، ويؤكدون في كل مناسبة على هذا المعنى.

وها هو سيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، يؤكد في كلمته في الذكرى الثامنة والثلاثين للاتحاد، وبمنتهى الوضوح، على التمسك بكل ما ورد في الدستور، فيقول «لقد ارتكزت سياستنا على مبدأ الالتزام بالثوابت التي نص عليها دستور الإمارات».

ويقول سيدي صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، في كلمته في نفس الذكرى «إن هذه المرتكزات هي ذاتها التي على هديها أرسى آباؤنا دعائم هذه الدولة، فاستجابة لرغبات الناس وآمالهم، توافقوا على إطار دستوري لحكم اتحادي رشيد، يساوي بين الناس، ويضمن حرياتهم، ويطلق طاقاتهم، ويعبئ مواردهم، ويوسع الخيارات أمامهم، عبر مؤسسات اتحادية قوية تؤدي عملها في تكامل مع الحكومات المحلية، وتنسيق تام مع قطاعات المجتمع قاطبة، وسيكون همنا الأول تحقيق هذه الرؤية».

وفي عبارات صريحة وواضحة، يوجه سيدي صاحب السمو رئيس الدولة، رسالة إلى جميع القيادات في الدولة بإشراك المواطنين في المسؤولية والاستماع إلى آرائهم، حيث يقول سموه في كلمته في الذكرى الأربعين «إننا نتقدم بثقة نحو عقد يقوده أبناء وبنات الوطن، وكلمتي للقيادات كافة، هي: أصغوا إلى أصوات الناس، خذوها في الاعتبار وأنتم تخططون وتضعون الأهداف، وتتخذون القرارات، ففي عالم تتنوع فيه وسائل الاتصال الجماهيري، وأدوات التواصل الاجتماعي، أصبح من الضرورة أن تهتم الحكومات بما يحقق التواصل الفعال مع المواطن في كل مكان، والاستماع لصوته، والتعرف إلى توجهاته، والاستجابة لتطلعاته، التي تتطلب منا الانتباه وتستحق الاستماع».

هل يعقل بعد ذلك أن يسأل منصف عن مزيد من الضمانات؟ الإجابة بالقطع، لا.. ولكن من قال إن المتشككين وأصحاب ألسنة السوء منصفون؟! إنهم يتساءلون عن ضمانة دولية لا سيطرة للدولة عليها، ويسألون هل يوجد ما يضمن عدم المساس بالحقوق والحريات كضمانة ثالثة وأخيرة، بشرط أن تكون قادمة من الخارج، وليس للدولة عليها أي سلطان أو تأثير، مهما تصاغر أو تضاءل؟ والواقع أنه، رغم أن هذا السؤال يبدو تعجيزياً كمائدة بني إسرائيل، ويقصد به عدم الإجابة عنه، إلا أن «الحق لا يَعدَم الدليل».

فأولاً، يشير تقرير المنتدى الاقتصادي لعام 2012، إلى أن دولة الإمارات هي الأولى عالمياً في التحصيل العلمي للمرأة، الأمر الذي يؤكد حصول المرأة على كافة حقوقها، وإتاحة الفرصة أمامها كاملة للتعليم.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد فازت الإمارات بعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمدة ثلاث سنوات، اعتباراً من أول 2013 حتى آخر 2015، وقد حصلت على 184 صوتاً من مجموع أصوات الجمعية العامة البالغ عددها 193 صوتاً.

هل يُعقل أن تحصل الدولة على هذه الأغلبية الكاسحة من أصوات دول العالم، إذا لم يكن لها سجل مشرف في مجال الحقوق والحريات، وكانت تتمتع بسمعة عالمية مشرقة في احترام حقوق الإنسان؟ والآن، كلمتي لأبناء وطني ((إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)) (27: ق)... لسنا كهولاء الذين نلتقي بهم في الفضــاء الإلكتروني أو على الأرض، فلهم قيمهم ولنا قيمنا.. ولهم تقاليدهم ولنا تقاليدنا.. ولهم دينهم ولنا ديننا...

وإذا اختلفت المقدمات اختلفت حتماً النتائج، وبالتالي، فلهم حياتهم ولنا حياتنا.. انتماؤنا لهذه الأرض الطيبة، التي يمتزج ثراها بأجساد الآباء والأجداد.. إنها الوطن.. ولاؤنا له ولمن فيه، للأهل الذين جعل الله بيننا وبينهم نسباً وصهراً، والولد الذي جعله الله لنا عزاً وامتداداً، والرجال الذين ولاهم الله أمر هذا الوطن.. لهم منا كل الإعزاز والإكبار والولاء.

دمتم سيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظكم الله، درعاً تحمي الحقوق وتصون الحريات، وسيفاً على كل من تسول له نفسه المساس بها.. أطال الله عهدكم وحفظكم ورعاكم، وسدد على طريق الحق خطاكم. وكل عام أنتم بخير...