بينت في المقال السابق تعريف المخالفة الإدارية ووضحت للقارئ الكريم صورها وأركانها التي يجب على جهة الإدارة توضيحها في محضر التحقيق وطرق إثباتها، وبقي أن أبين طريقة تقدير الجزاء التأديبي، والطريق الذي رسمه القانون لتظلم الموظف من أي إجراء أو قرار تتخذه الإدارة في هذا الشأن، سواءً عند التحقيق أو تقدير الجزاء الإداري أو توقيعه عليه.

بداية يشكل موضوع تقدير الجزاء التأديبي صعوبة عملية أمام الإدارة، وذلك لأن قانون الموارد البشرية لحكومة دبي لم يسم أفعالاً بعينها ويقدر لها الجزاءات، لأنه جعل الوظيفة العامة واستقرار المرفق العام مناطً الحماية الإدارية بغض النظر عن السلوك الذي أضر بهما، وترك للإدارة أمر تقدير الفعل الذي يمس الوظيفة العامة ويستوجب إيقاع الجزاء التأديبي على الموظف.

وإيقاع الجزاء المتناسب مع السلوك المخالف دون إفراط ولا تفريط. فإذا انتهت جهة الإدارة من إثبات أركان المخالفة الإدارية التي بينتها في المقال السابق وتحقق لديها بما لا يدع مجالاً للشك أن الموظف قد ارتكب السلوك المخل بواجبات الوظيفة العامة، فعلى جهة الإدارة في هذه المرحلة أن تبدأ في تقدير نوع الجزاء الإداري المتناسب مع السلوك المخالف، وذلك من خلال دراسة ثلاثة عناصر هي ما يلي:

أولاً: المألوف من سلوك الموظف المعتاد في ذات منصبه ووضعه وظروفه، والمقصود بالموظف المعتاد هنا الموظف الطبيعي الذي لا يعتبر كثير الحرص ولا شديد الإهمال، فإذا كان تصرف الموظف المعتاد مشابها لتصرف الموظف المخالف كارتفاع صوت موظف الاستقبال على أحد المتعاملين بسبب سوء سلوك المتعامل نفسه.

ففي هذه الحالة يمكن أن تكتفي جهة الإدارة بلوم الموظف أو توقيع أبسط الجزاءات الإدارية عليه أو حتى رفع الجزاء التأديبي عنه، أما إذا كان تصرف الموظف المخالف أقل حرصاً من الموظف المعتاد كما لو أهمل الموظف الأوامر الإدارية التي وردت إليه من مسؤوله المباشر أو تعمد تجاهلها.

فسلوك الموظف في هذه الحالة يستوجب جزاءً إدارياً يتناسب مع درجة الإهمال وسوء السلوك الذي بدر منه، وكقاعده عامة يمكن القول بأن قسوة الجزاء الإداري تزداد كلما زاد الفرق بين سلوك الموظف المخالف وسلوك الموظف المعتاد.

ثانيا: الظروف التي أحاطت الموظف أثناء ارتكاب السلوك المخالف سواء كانت نفسية كالإستفزاز أو مادية كوقوع اعتداء مادي عليه أوكسوء حالته الصحية، وكذلك لظرفي الزمان والمكان اللذين وقع فيهما السلوك المخالف وما إذا كانت له سابقة في المخالفات الإدارية أم لا، فدراسة هذه الظروف تؤدي إلى تخفيف أو تشديد الجزاء التأديبي على الموظف.

ثالثا: مدى بساطة أو جسامة الضرر الواقع على الوظيفة العامة أوالمرفق العام بسبب سوء سلوك الموظف، فمجرد انفعال الموظف العام على أحد العملاء بسبب استفزازه لا يمكن مقارنته مع سلوك كالرشوة، وبالتالي لا يمكن أن يستوي الجزاء الإداري الذي توقعه الإدارة في كلا الحالتين، فالضرر الذي أصاب الوظيفة العامة في الحالة الأولى أقل وأيسر من الضرر الذي أصابها في الحالة الثانية.

وبناء على هذه المعايير تُقَدر الإدارة إحدى العقوبات الواردة في المادة 199 من قانون إدارة الموارد البشرية لحكومة دبي، بحيث يتم توقيعها على الموظف بصورة حكيمة وعادلة، باستثناء مخالفات الدوام الرسمي التي فرض القانون توقيعها بالتدريج الوارد في نص المادة.

رسم قانون الموارد البشرية لحكومة دبي طريق الموظف للتظلم من قرارات فرض الجزاء التأديبي الجائر بحقه، وذلك بتوجيه تظلم خطي للجنة التظلمات والشكاوى في الدائرة التي يعمل بها، وأعطاه القانون حق الاعتراض على قرار هذه اللجنة أمام لجنة التظلمات المركزية بحكومة دبي بشرط أن يقدم لها الاعتراض خلال اسبوعين من تاريخ صدور القرار.

ختاماً أدعو المشرع إلى تعديل صياغة المادة 205 من قانون إدارة الموارد البشرية لحكومة دبي وذلك لما في هذا النص من خروج عن ما استقر عليه القضاء والفقه الإداري من أن كل مدد التظلم المقررة لصالح الموظف عن القرارات الصادرة في حقه يبدأ سريانها من تاريخ علم الموظف بالقرار وليس من تاريخ صدوره كما نصت المادة المذكورة، وذلك حفاظاً على مبادئ العدالة والإنصاف.