قليل من القادة ذلك الذي إذا استمعت إليه استحوذ على كل انتباهي وأحسست أن نفسي أسيرة لديه لا تنفك عن متابعة كل ما ينطق به، ولا تتوانى عن التقاط ما يفيض به حديثه من فكر يتجاوز حدود الكلمات والعبارات، وينتقل بي في انسياب رائعٍ من المبنى الملفوظ إلى المعنى غير الملحوظ.
على هذا النحو جلست أستمع إلى سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي وهو يتحدث في افتتاح "القمة الحكومية" الأولى، والتي كانت تنطوي على العديد من الدروس والعبر التي ينبغي استجلاء معانيها والوقوف على ما تتضمنه من مفاهيم وأفكار.
وكانت الطاقة الإيجابية من بين الدروس التي تناولها سموه وبيَّنَ مضمونها وفحواها حيث قال "إنها تعني التفاؤل بيوم جديد عند كل صباح، فمن يصحو من نومه متفائلاً مبتسماً يظل نهاره مبتسماً وكله تفاؤل.
والطاقة الإيجابية عند الإنسان تجعله قوياً مستعداً لمواجهة التحديات بروح عارمة وبإصرار أكيد. أما الطاقة السلبية فهي تحبط المرء وتسلبه قوته وإرادته وتفاؤله".
يخطئ من يظن أن اهتمام سيدي صاحب السمو بالطاقة الإيجابية جاء عفو الخاطر، أو كان وليد اللحظة التي عاشها الحدث، ولكنه اهتمام قديم أشار إليه منذ عدة سنوات في كتــابه رؤيتي "التحديات في سباق التميز" حيث أفرد له الفصـــل التــــاسع تحت عنوان "الطاقة الإيجابية والطاقة السلبية" ص 122 131.
فيقول سموه ص 130 "التحفيز وقود تميز البشر وشعلة طاقتهم الإيجابية. إنه القوة التي تحرك الفعل وتطور المبادرة وتصنع الولاء وتولد الإبداع. إنه أساس النجاح وسر تحقيق الأهداف، لذا فإن القائد الأكثر نجاحاً هو الأقدر على تحفيز مرؤوسيه وتشجيعهم على العطاء والإبداع والأداء المتميز والطموح، فمستوى أداء الشخص المحفز ذي المعنويات العالية يكون عادة في القمة والعكس صحيح"!!
ومن هذا الطرح يبين لنا معنى الطاقة الإيجابية، ومن المسؤول عن بثها وتفعيلها، ثم يرسم لنا السبيل إلى تحقيق ذلك بغية الاستفادة من ثمارها المرجوة.
من خلال حديث سموه يمكننا أن نعرّف الطاقة الإيجابية بأنها القدرة على الإنجاز وتحقيق الأهداف المنشودة رغم التحديات من خلال التغلب على الصعوبات والعقبات التي تواجه الأداء. صدقت سيدي... وهل يُعقل أن يتحقق على أرض الواقع أي إنجاز بغير هذه الطاقة الإيجابية التي يتمتع بها بنو البشر؟!
أما المسؤول عن بث هذه الطاقة الإيجابية فقد أكد صاحب السمو صراحة على أنه القائد باعتباره مسؤولا عن أداء مرؤوسيه، بل إن مستوى أدائهم يحدده مستوى أدائه هو شخصياً، بمعنى أن يصبح أداء المرؤوسين مرآة لأداء القائد وانعكاساً لمستوى أدائه.
وقد أصاب سيدي حين أطلق عليه وصف "الشخص المحفز ذي المعنويات العالية"، حيث أشار إلى هذا المعنى بصورة جلية لا تحتمل اللبس أو التأويل، عندما قرر في ص 123 من كتابه "رؤيتي" قائلاً "كــم من قائد دمـر قدرات موظفيه ودفعهم إلى اليأس والقنوط؟ من دون موارد بشرية محفزة كيف سنعمل؟ كيف نتوقع الفوز بالريادة؟ كيف سنحقق أهدافنا؟ مستوى القائد يقاس بمستوى معنويات مرؤوسيه، والجيوش لا تحقق الانتصار لأن لديها السلاح والطعام فقط.
إنها تنتصر بمعنوياتها وتنهزم بمعنوياتها، فإن كانت معنويات المرؤوسين عالية فسيستجيبون لرؤية القائد ويحققون أهدافه ويسيرون على خطاه، وإذا هبطت معنوياتهم فلا يلومن إلا نفسه لأن اللوم يقع عليه وحده".
وفي دراسة بعنوان "الطاقة الإيجابية في مكان العمل" يؤكد الباحث الأمريكي جيف وولف على التأثير الكبير للقائد على المرؤوسين سواء سلباً أو إيجاباً. حيث يقرر أن ارتباط المرؤوس بالرئيس أبعد وأعمق أثراً من ارتباطه بالمؤسسة أو الشركة، وقد توصل الباحث إلى نتيجة مفادها أن الموظف عندما يترك المؤسسة التي يعمل بها لا يكون ذلك في أغلب الأحوال لسبب يرجع إلى العمـــل ذاته ولكن بسبب القـــائد، فالموظـف لا يترك الشركة ولكن يتـرك الرئيس.
وعن كيفية بث الطاقة الإيجابية لدى المرؤوسين أشار سيدي صاحب السمو إلى دور القائد في تحفيز الموظفين من أجل أداء أفضل، حيث أكد سموه على أن التحفيز يكمن بداية ً في منح الموظف الصلاحيات اللازمة والتي تساعده على اتخاذ القرار المناسب الذي يحدد في نهاية الأمر مستوى أدائه ويحقق أهداف المؤسسة التي يعمل بها.
كما أشار سيدي صاحب السمو إلى أنه يرى أن من أهم الممارسات التي تؤدي إلى بث الطاقة الإيجابية لدى المرؤوس إنما تتمثل في تكريمه أمام زملائه بغية إزكاء روح المنافسة الإيجابية بين الموظفين، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى الارتقاء بمستوى الأداء.
وقد أثار انتباهي قيام سيدي صاحب السمو في هذه القمة الحكومية ببث الطاقة الإيجابية لدى مختلف قطاعات المجتمع، ووجدته يطبق ما يقول عل نحو فوري و يضرب المثل لمختلف القيادات الأخرى. فها هو يشيد بفرق العمل من الشباب الذين يعملون مع سموه، وما بذلوه من جهد في المساعدة في التغلب على العديد من الصعاب والتحديات التي واجهت عملية البناء ومسيرة التطور.
وقد غمرتني سعادة بالغة وأنا أسمع سيدي صاحب السمو يقول "نحن في دولة الإمارات عموماً لا يوجد في قاموسنا كلمة مستحيل، فهذه الكلمة يستخدمها الضعفاء والكسالى الذين يخافون التحدي والإقدام، فالمرء إذا شك في قدراته وفي ثقته بنفسه يفقد بوصلة طريق النجاح والتفوق والوصول إلى مبتغاه، فأنا أطالبكم معشر الشباب بأن تصروا على الرقم واحد، فأنا وشعبي نحب الرقم واحد".
ثم وجه سموه حديثه إلى موظفي الحكومة في بضع كلمات تمثل ذروة التحفيز وشحذ الهمم قائلاً: "أنتم الطاقة والمحرك الرئيسي لكل عمل حكومي، ولكل إنجازات الدولة". إنها كلمات معدودة ولكنها ما قل ودل فهي عظيمة الأثر في بث الطاقة الإيجابية لدى المجتمع.
سيدي صاحب السمو.. نعم القائد أنت... فقدوتك ومثلك الأعلى سيد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليــه وسلم، وولاؤك لوطنــك، وعطاؤك لمواطنيك، وفضلك للجميع... سيدي "ما سر كل هذا الحب المتدفق الذي يكنه الناس لكم؟! سؤال أؤكد لسموكم أنه لن يوجه إليكم مرة أخرى بعد الآن.
وإلى لقاء قادم في درس جديد من "دروس في القيادة"...