تثار من حين لآخر نقاشات حول الإعلام البيئي العربي، وهل من موقع له في الخريطة الإعلامية؟ ومن المسؤول عن تدهور البيئة والمشاكل البيئية في الدول العربية؟ ماذا عن التوعية البيئية؟ ومن هو المسؤول عن نشر الثقافة البيئية في المجتمع؟ ما هي المشاكل البيئية الرئيسة التي تعاني منها الدول العربية؟

وهل من استراتيجية للإعلام البيئي في العالم العربي؟ وهل تتوفر الدول العربية على الكوادر الإعلامية المتخصصة في الإعلام البيئي، لرفع التحدي ومواجهة المشاكل البيئية العديدة التي تتفاقم وتنتشر يوماً بعد يوم، ابتداء من ندرة المياه ومحدودية الأرض وتدهورها وزيادة الرقعة الحفرية وتدهور المناطق البحرية والساحلية والرطبة، ناهيك عن البقع النفطية وتلوث الشواطئ، والتصحر والتلوث الإشعاعي والتلوث المغناطيسي الكهربائي والاحتباس الحراري... إلخ؟

الكلام عن الإعلام البيئي يقودنا للكلام عن المشاكل التي يواجهها هذا النوع من الإعلام في وطننا العربي، ومن أهمها، عدم توفر المعلومات للجمهور ولوسائل الإعلام، وفي هذه الحالة، فإن فاقد الشيء لا يعطيه.

وبذلك لا نستطيع الكلام عن التوعية البيئية والإعلام البيئي والتثقيف البيئي، في غياب بنك معلومات وآليات لتخزين وتوفير وتداول المعلومة في هذا المجال، ونحن في العصر الرقمي وعصر الإنترنت. فالأمر يتعلق في المقام الأول بتقديم البيانات والمعلومات والمعطيات، إذا أردنا أن نؤثر في الرأي العام ونؤثر في الإدراك والسلوك عند المستقبل.

ومن المشاكل التي يعاني منها الإعلام البيئي كذلك، اعتماده على الوسائل التقليدية، وعدم تكيفه مع الوسائط العصرية الحديثة، التي تتناغم وتتناسق مع العصر الرقمي لمواكبة التطور المعلوماتي والمعرفي. ما زلنا في الوطن العربي نضع العربة أمام الثيران، ونتكلم عن الإعلام البيئي، ونحن نفتقر للكادر الإعلامي المتخصص والمتمرس والمؤهل في الإعلام البيئي.

وهنا، يجب أن نلاحظ عدم استجابة أقسام وكليات الإعلام لمتطلبات واحتياجات السوق، وعدم التنسيق الكافي بين المؤسسات الإعلامية من جهة، والمؤسسات الأكاديمية من جهة أخرى. الإعلام البيئي كتخصص وكمجال إعلامي استراتيجي، ما زال في مرحلته الجنينية، يعاني من غياب استراتيجية إعلامية بيئية، وما زال إعلام مناسبات يبرز عند ظهور المشاكل والأزمات البيئية وخلال المناسبات، كالاحتفال باليوم الوطني أو اليوم العالمي للبيئة، ثم يختفي لأجل غير مسمى.

في ظل هذا الزخم من المشاكل، نلاحظ كذلك عدم تحديد أولويات مجالات الرسالة الإعلامية البيئية، كالتركيز على المستوطنات البشرية والتصحر والبيئة البحرية والصناعة العشوائية ومصادر الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الملائمة وصيانة الطبيعة وندرة المياه.

والسبب في هذا الخلل يعود بالدرجة الأولى إلى وجود فجوة كبيرة بين الإعلاميين والقائمين بالاتصال من جهة، والمؤسسات والهيئات التي تعنى بالبيئة من جهة أخرى. الإعلام البيئي يعاني كذلك من نقص في الميزانية، وضعف الإمكانات والوسائل المادية والبشرية على حد سواء.

وهذا راجع بالدرجة الأولى إلى غياب الوعي البيئي في المجتمع. من المشاكل التي يعاني منها الإعلام البيئي كذلك، غياب منهاج إعلامي واضح للتعامل مع القضايا البيئية، وتفشي ظاهرة اللامبالاة وعدم الاهتمام بالقضايا البيئية في المجتمع، سواء على المستوى الفردي أو العائلي أو المؤسساتي، أو ما يتعلق بالمجتمع المدني أو المجتمع السياسي، أو بالمدرسة أو الأسرة أو المسجد.

وكثيرون هم الذين يظنون أن القضايا البيئية من اختصاص وسائل الإعلام والمؤسسة الحكومية التي تشرف على قضايا البيئة فقط لا غير، وهذا توجه خاطئ، لأن البيئة هي مسؤولية الجميع. وهنا، يجب الاهتمام بالمجموعات المؤثرة في المجتمع لخدمة القضايا البيئية، كالجمعيات الأهلية والمهنية، وجمعيات العمال وأرباب العمل، والنوادي والاتحادات الرياضية، والجمعيات الثقافية والدينية... إلخ.

تتحدد مهمة الإعلام البيئي بالدرجة الأولى في نشر التوعية والثقافة البيئية، بأسلوب وبلغة وبتقنيات سلسة بسيطة ومفهومة وجذابة للمستقبل، بعيدة عن المصطلحات واللغة الجافة التي تنّفر القارئ. ومن مهام الإعلام البيئي كذلك، الاهتمام بقضايا البيئة، وحمايتها بصفة دورية ومستمرة وعلى مدار السنة، وليس بطريقة موسمية أو ظرفية أو حسب المناسبات. فالهدف هو ترشيد السلوك البيئي، عن طريق الوعي والثقافة والإدراك البيئي، وهذا لا يتحقق بطبيعة الحال إلا بتوفير المعلومات والبيانات والمعطيات والإحصاءات المتعلقة بالبيئة.

فالبيئة جزء من الإنسان، لأنها هي المحيط الذي يحتضن الكائن البشري بأبعاده المادية والفكرية والمعنوية والروحية، والأمن البيئي لا يقل أهمية عن الأمن الغذائي وعن الأمن الاستراتيجي. ومن هنا، تتحدد مهام الإعلام البيئي في تشجيع السلوك البيئي الإيجابي عند الأفراد والجماعات والمؤسسات.

والعمل على تبني ووضع وتطوير برامج تعليمية وتربوية لحماية البيئة، ونشر الثقافة البيئية والسلوك البيئي الناضج والواعي. فإذا تربى النشء منذ نعومة أظفاره على معرفة البيئة وأصولها وأهميتها، فإنه من دون شك سينمو ويترعرع ويكبر على احترام البيئة وحبها، والعمل على المحافظة عليها وصيانتها، وهذا هو السلوك الحضاري الذي تتمناه أية دولة، وتعمل على تحقيقه.

فإذا دخلت أجندة البيئة المناهج التربوية والأسرة والجمعية والمؤسسة ومختلف مكونات ومؤسسات المجتمع، فإنها بذلك تدخل إدراك الفرد في المجتمع وسلوكه. ويواجه الإعلام البيئي العربي تحديات كبيرة، وأمامه مهام جسام، فهو بحاجة في البداية إلى قاعدة معلومات بيئية مركزية، تكون تحت تصرف الأجهزة والمؤسسات الإعلامية والبيئية.

كما أنه بحاجة إلى كادر إعلامي متخصص ومتمرس، من خلال ورش عمل ودورات تدريبية بصفة دورية ومستمرة، حتى يكون في مستوى المسؤولية. والإعلام البيئي كذلك بحاجة إلى طرح علمي منطقي سلس مفهوم وواضح، ومعالجة علمية ومنهجية للقضايا البيئية، تقوم على المنطق والبرهان والأدلة الدامغة والمعطيات المقنعة، والتعمق في الشرح والتفسير للمشاكل البيئية التي يطرحها ويناقشها، ويجب ألا يقتصر على السرد والوصف والإثارة والتغطية السطحية المبسطة.

الإعلام البيئي العربي بحاجة كذلك إلى التنسيق مع مختلف المؤسسات المعنية بالبيئة، والعمل على تكامل الأنشطة والمهام من أجل توعية بيئية فعالة. فالتحدي كبير والمسؤولية أكبر، وتتطلب الجد والاجتهاد والتنسيق، بروح القرن الحادي والعشرين، ومنطق العصر الرقمي.