تنظر السلطة في الوطن العربي وفي سائر الدول النامية، إلى وسائل الإعلام كوسائل لتثبيت شرعيتها وبسط نفوذها وتمرير خطابها السياسي، بغض النظر عن طموحات وهموم الجماهير. وهي بذلك ما زالت لم تستطع بناء نظام مؤسساتي مستقر، ولم تستطع أن تحقق المشاركة السياسية الفعالة داخل المجتمع.

وفي الكثير من الدول العربية ينعدم المجتمع المدني تماماً. وكنتيجة لكل هذا، فإن معظم الدول العربية فشلت كذلك في إقامة وبناء جهاز إعلامي فعال، يؤمن بتوفير الاتصال الأفقي ويعمل على إدماج مختلف الشرائح الاجتماعية في العملية السياسية والاقتصادية والثقافية، ولهذا نتجت النظرة الضيقة للإعلام على أساس أنه أداة من أدوات السلطة، تستعمل في آليات وعمليات الحكم والسيطرة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإعلام التنموي الفعال والأفقي، لا يتأتى إلا بالديمقراطية والأجهزة المؤسساتية، التي تلعب دور المراقب والمعارض والمشارك في العملية السياسية وفي صناعة القرار. وبسبب هذه النظرة الضيقة وتسلط الحكومات وأنانيتها، يعاني الإعلام العربي مما يلي:

سيطرة الطابع الرسمي على الرسالة الإعلامية.

سيطرة الروتين، حيث تغطية نفس المناسبات والقطاعات، بغض النظر عن اهتمامات الجماهير.

أحادية الاتجاه من أعلى إلى أسفل، دون مشاركة المتلقي في عملية رجع الصدى أو في العملية الإعلامية.

ضعف الاحترافية والمهنية في معظم وسائل الإعلام العربية، خاصة المرئية منها، نتيجة للتركيز على الرسميات وهاجس تنفيذ الأوامر.

نمو الرقابة الذاتية عند الصحافي في الوطن العربي، مما قتل روح الإبداع والابتكار، وأدى إلى ضعف الأداء وتبني الشعارات والكلمات الرنانة على حساب الحقائق والواقع.

اتساع الهوة بين الجماهير والإعلام، وبالتالي إضعاف مصداقيته وتأثيره.

ضعف إدارة المؤسسات الإعلامية بسبب التركيز والاهتمام بالدرجة الأولى بكسب رضى السلطة، ثم تحقيق الربح أو ضمان المعونة الحكومية، بغض النظر عن اهتمامات ومشاغل وهموم الشرائح العريضة في المجتمع. وفي كثير من الأحيان فإن المشرفين على المؤسسات الإعلامية لا يفقهون شيئاً في الإدارة والتسيير أو لا يعلمون أبجدية العمل الإعلامي.

ضعف الإنتاج كماً وكيفاً، واعتماد التلفزيونات العربية على استيراد المواد الإعلامية المعلبة، والتي تكون في معظم الأحيان غريبة وبعيدة عن عادات وتقاليد وهموم الجماهير.

ضعف الأبحاث والدراسات الإعلامية في الوطن العربي، وبالتالي نقص البيانات والإحصاءات والمعطيات الضرورية لتطويع الرسالة الإعلامية بما يلائم اهتمامات الجمهور المستهلك، وفي كثير من الأحيان لا تعرف المؤسسات الإعلامية العربية هل هي تساهم في عملية التغريب أم التهميش أم الإدماج والتسييس أم السيطرة والتحكم أم ماذا؟

انعدام الرؤية الاستراتيجية المستقبلية والسياسات الإعلامية الواضحة والثابتة، حيث نلاحظ على سبيل المثال أن غالبية الدول العربية اهتمت بموضوع القنوات الفضائية واقتناء التكنولوجيا.

ولم تتأخر عن مواكبة تكنولوجية الاتصال، وأن ساعات البث التلفزيوني تضاعفت، لكن الإنتاج تراجع، مما أدى بطبيعة الحال إلى تحول هذه القنوات الفضائية إلى صناديق بريد توزع ما تنتجه استوديوهات هوليوود وطوكيو ومومباي، وغيرها من الشركات العالمية للصناعات الثقافية.

إن تحديات القرن الحادي والعشرين والتناقضات سالفة الذكر التي يعيشها الإعلام العربي، كلها تحتم على الأنظمة العربية ضرورة مراجعة استراتيجياتها وفلسفتها تجاه الإعلام. ونقطة البداية هنا تتمثل في ضرورة النظر إلى وسائل الإعلام وإلى الجهاز الإعلامي، نظرة إيجابية تخدم المجتمع ككل وليس السلطة وحدها، وهذا لا يتأتى إلا بتغيير وجهة نظرنا إزاء المواطن العربي، حيث ضرورة النظر إليه كفاعل ومشارك ومساهم ومرسل، وليس كمنفذ وتابع ومستقبل فقط.

كذلك يجب علينا أن نقر حق الجماهير في التواصل والتفاعل مع وسائل الإعلام المختلفة، وهذا لا يتأتى إلا بالعمل المؤسساتي الجمعوي، وعن طريق الجمعيات بمختلف أشكالها وأنواعها، سياسية كانت أم اجتماعية أم ثقافية أم اقتصادية... إلخ.

ومن أهم مستلزمات الإعلام القوي والفعال في أي مجتمع، حرية التعبير وحرية الرأي وحرية الوصول إلى المعلومات، فهذه المستلزمات يجب أن نعمل على توفيرها وعلى اكتسابها كسلطة وكقائمين بالاتصال وكمثقفين وباحثين ووسطاء ثقافيين... إلخ، وبدون هذه المستلزمات فإنه لا يحق لنا الكلام عن المجتمع المعلوماتي والثورة الاتصالية والعولمة الثقافية، وغيرها من التحديات العديدة والمختلفة التي نعيشها اليوم وبصورة فائقة، والتي ستميز الألفية الثالثة لا محالة.

النظام الإعلامي العربي الراهن يحتاج إلى نظرة نقدية جادة مع نفسه، كما يحتاج إلى مراجعة مع الذات للوقوف على السلبيات والتعلم من الأخطاء والهفوات السابقة، والانطلاق بخطى قوية وإيجابية نحو مستقبل لا يكون فيه الإعلام وسيلة للسيطرة والتحكم والتلميع والتملق، وإنما وسيلة للحرية والعلم والمعرفة والتفكير والإبداع والاختلاف في الرأي وفي إيجاد سوق حرة للأفكار.

تحديات الألفية الثالثة كبيرة وجسيمة، وتتطلب إعلاماً قوياً وصناعات ثقافية قوية وفاعلة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، مع تمنياتنا بوجود آذان صاغية لهذه المستلزمات عند أصحاب القرار في وطننا العربي.

فإذا كانت هناك بعض التجاوزات في الممارسة الإعلامية في الغرب والدول الديمقراطية، بالتستر وراء "الأمن القومي" ووراء "المصالح القومية" والتي أضرت في أرض الواقع بالوصول إلى الحقيقة وإلى تنوير الرأي العام وصناعة القرار السليم في آخر المطاف، فإن الطريق ما زال طويلاً أمام الإعلام العربي لينهض بنفسه ويتعايش ويتفاعل مع ألفية ترتكز أساساً وتقوم على المعلومة والمعرفة، وكيف نصنعها ونتداولها ونخزنها ونستغلها في صناعة القرارات المختلفة التي نتخذها، سواء على مستوى الفرد أو العائلة أو المؤسسة بمختلف أشكالها، أو المجتمع أو الدولة.