تأتي أهمية التفكير في الاتصال الحكومي والتركيز على الاستثمار فيه، من أجل التواصل الفعال بين الدوائر والمؤسسات الحكومية والجمهور، وفي ما بين هذه المؤسسات.

فالاتصال يؤدي إلى تبادل المعلومات والأفكار والتجارب، وهو أساس التفاهم بين مختلف الأطراف والجهات، فكلما كان موجودا وقائما ومبنيا على أسس علمية ومهنية وكلما كان صادقا ومسؤولا وهادفا وموضوعيا، كلما أدى إلى النتائج المرجوة منه.

فالولايات المتحدة الأميركية كأقوى دولة في العالم تنظم يوميا إيجازا صحافيا (press briefing) في كل من البيت الأبيض (مؤسسة الرئاسة) ووزارة الخارجية، من أجل إبلاغ الشعب الأميركي والعالم بأسره بموقفها مما يحدث في العالم. وخلال غزو العراق كانت الإدارة الأميركية تنظم أربعة إيجازات صحافية يوميا. وعندما سئل أحد المسؤولين الأميركيين عن الغاية من هذه الإيجازات والمؤتمرات الصحافية، رد قائلا: "

حتى نروي قصة الحرب بأنفسنا وأسلوبنا ووجهة نظرنا، وحتى لا يرويها آخرون في مكاننا وبدلا منا". من هنا نلاحظ أن المؤسسة الحكومية مثلها مثل أية مؤسسة أخرى، بحاجة إلى اتصال وإعلام وأخبار ومعلومات، من أجل تحقيق أهدافها والوصول إلى غاياتها والتواصل الشفاف والصريح والنزيه والمباشر مع الجماهير التي تتعامل معها.

وكلما توفرت المعلومات والبيانات كلما كان هناك تفاعل إيجابي من طرف كل الجهات، وكلما زاد التفاهم والتناغم والتناسق، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى إرضاء الجميع وتحقيق التطوير والتنمية والازدهار، وبناء صورة المؤسسة ومن ثم سمعتها، وبعد ذلك العمل على إدارة هذه السمعة.

المرحلة التي يمر بها معظم الدول العربية، تفرض نظرة جديدة للإعلام الرسمي واستراتيجية تتناغم مع طموحات ومطالب الجماهير. فالحكومات العربية مطالبة باستراتيجية اتصالية، تقوم على الشفافية والديمقراطية في نشر المعلومات والأخبار والبيانات، وضمان اتصال في اتجاهين وتوفير المنابر اللازمة للجماهير للتعبير عن مشاكلها وهمومها وطموحاتها.

لماذا الاتصال الحكومي في المقام الأول؟ وأين تكمن الرهانات والتحديات؟ ولماذا يجب أن تهتم الدوائر والمؤسسات الحكومية بالاتصال؟ وما هي الشروط والمستلزمات الضرورية لنجاح الاتصال الحكومي؟ وما هي العوائق والأخطاء التي يعاني منها الإعلام الحكومي؟

ولماذا تعودت الدوائر الحكومية ومختلف المؤسسات على التركيز على إبراز الإيجابيات والتأكيد على الإنجازات، وإهمال النقائص والأخطاء والتجاوزات، ما أدى ويؤدي في غالب الأحيان إلى فقدان المصداقية بين المؤسسات الحكومية والمتعاملين والجمهور؟

إذا أخذنا المتحدث الرسمي كمثال، نجد أن العديد من المؤسسات الحكومية كان يفتقد في السابق مثل هذا الشخص، الذي يمد مختلف وسائل الإعلام والرأي العام ومختلف المؤسسات الأخرى في المجتمع بالأخبار والمعلومات والبيانات والقرارات التي تتخذها المؤسسة إزاء مختلف القضايا التي تتعامل معها.

والمتحدث الرسمي هو لسان حال المؤسسة والعارف بخباياها وآليات صناعة القرار فيها، والمطلع على المجتمع واحتياجاته ومشاكله، وبذلك فهو مسؤول عن إبلاغ الرأي العام بكل ما تتخذه المؤسسة من إجراءات وقرارات، وهي أمور تعتبر حقا من حقوق الجمهور معرفتها والاطلاع عليها.

فالتطورات الهائلة التي يشهدها العالم والمنطقة العربية في مجال الإعلام والاتصال الرقمي والشبكات الاجتماعية، عوامل تفرض شفافية التواصل بين المؤسسات الحكومة والجمهور ومختلف المؤسسات الأخرى في المجتمع، لأن الطرق البالية والقديمة أصبحت لا فائدة من ورائها، وأصبحت تؤدي إلى نتائج عكسية تماما.

وهنا تجب الإشارة إلى أن موقع الإدارة أو المؤسسة الحكومية على شبكة الانترنت، يعتبر من أهم الوسائل التي توفر كل ما يحتاجه الجمهور والمتعامل والمؤسسات الأخرى، من معلومات وبيانات وقرارات وإحصائيات... الخ. فالمؤسسة الناجحة اتصاليا والتي تعمل على التواصل الشفاف والصريح والمباشر والديمقراطي، هي المؤسسة التي توفر كل ما يريده الجمهور والمتعامل من بيانات ومعلومات، بل أكثر من ذلك نهج بعض الحكومات أسلوبا جديدا في التواصل، وهو الحكومة الإلكترونية التي توفر للعملاء إنجاز مئات المعاملات إلكترونيا، وخير مثال على ذلك حكومة دبي الإلكترونية.

وإذا أخذنا محورا آخر في الاتصال الحكومي كإدارة الأزمات، فهناك أمثلة ناجحة وأخرى فاشلة، لأن القائمين على الاتصال أثناء الأزمة يحسنون التعامل الناجح والفعال، أو لا يتقنونه جيدا. فهناك بعض المؤسسات الحكومية ينال منها الارتباك والخوف والفوضى، بسبب عدم تحكمها في الأسس العلمية والمنهجية للاتصال أثناء الأزمة

. وخير مثال على ذلك فشل الحكومة اليابانية في التعامل مع أزمة "فوكوشيما"، وفشل أميركا في التعامل مع أزمة "كاترينا". فالاتصال أثناء الأزمة له قواعده وأسسه، كالصراحة والوضوح والشجاعة على قول الحقيقة وإشراك الإدارة العليا. فالإدارة العليا لأي منظمة أثناء الأزمات، يجب عليها الظهور بمظهر المهتم والمشارك في عملية حل الأزمة، وعدم الوقوف مكتوفة اليدين.

كذلك يجب تفعيل دور الطرف الثالث، ويقصد به هنا الخبراء والمختصون، مثل المحامين والمهندسين وغيرهم ممن يستطيعون مد يد المساعدة لحل الأزمة والإصرار على الظهور العلني في موقع الحدث. فلا بد للإدارة العليا من إظهار اهتمامها وروح التعاون لحل الأزمة، وتستطيع أي منظمة إبراز هذا الاهتمام عن طريق إشراك بعض الأشخاص المهمين في المنظمة.

كما يجب العمل على مركزية الاتصال، والتي يجب أن تتحدد في المتحدث الرسمي الذي يعمل على إظهار كيفية تعامل المنظمة مع الأزمة وتوضيح ذلك للعامة. ويجب التعاون مع وسائل الإعلام، فأثناء الأزمات عادة ما يكون الإعلاميون متحمسين ومنفعلين، ولا تستطيع أي قوة منعهم من الحصول على المعلومات.

ولذلك على المنظمة التعامل معهم بطريقة ودية، والتعاون معهم لتوضيح ما قامت به المنظمة للتعامل مع الأزمة. كما يجب عدم تجاهل موظفي المنظمة، إذ عادة ما تقلل الإدارات في مختلف المنظمات من قيمة الأزمات، وتبذل كثيرا من الجهد للتعامل معها عندما تقع، والحكمة تقتضي أن تكون الإدارة مستعدة وجاهزة للتعامل مع الأزمة قبل حدوثها.

في زمن الشبكات الاجتماعية والعصر الرقمي، لا مفر من الاهتمام بالاتصال المؤسسي والاتصال الحكومي، حتى تروي المؤسسة قصتها وتعبر عن رأيها، وإلا سيحل محلها آخرون وحينذاك تُروى القصة حسب مصالح هؤلاء على حساب المؤسسة. في عصر شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، أصبح الإعلام المؤسسي والإعلام الحكومي ضرورة حتمية، من أجل بناء الصورة وإدارة السمعة في جو من الشفافية والديمقراطية والاحترام المتبادل بين المنظمة وجماهيرها.