في منتدى الإعلام الإماراتي الذي نظمه أخيراً نادي دبي للصحافة، أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أن توطين الإعلام مسألة حيوية تتطلب حواراً جاداً وجهداً جماعياً لتحويلها إلى إنجاز حقيقي. وقد اهتمت القيادة السياسية في دولة الإمارات منذ عقود، اهتماماً بالغاً بموضوع توطين الوظائف في الدولة، وبإشراك العنصر المواطن في مختلف القطاعات والمجالات خاصة القطاع الخاص.

وبالنسبة لوسائل الإعلام يكتسي الموضوع أهمية بالغة، لأن الرسالة الإعلامية هي قبل كل شيء منتج فكري وسياسي وأيديولوجي وثقافي واجتماعي، وهذا يعني أن القائم على إنتاج هذه البضاعة الفكرية التي تقدم للرأي العام الإماراتي محلياً، وللرأي العام جهوياً وإقليمياً ودولياً، باسم دولة الإمارات العربية المتحدة، يجب أن تحمل بصمات وإمضاءات العنصر الإماراتي، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وهذا يعني أن إفساح المجال لابن الإمارات لخوض التجربة الإعلامية والعمل الإعلامي أمر لا جدال حوله، وأن التطور الذي شهدته دولة الإمارات في مختلف المجالات، يجب أن يرافقه تطور على مستوى الطاقات والكوادر البشرية المواطنة وفي صناعة الإعلام. كما يجب إيجاد معادلة صحية وسليمة بين خريجي الجامعات ومختلف الكليات من جهة، وقطاع الإعلام سواء كان عاماً أم خاصاً من جهة أخرى.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الكفاءات الصحافية والإعلامية العربية والآسيوية الوافدة، لعبت دوراً استراتيجياً وما زالت تلعب دوراً بالغ الأهمية في عملية التنمية الشاملة في دولة الإمارات، حيث وجدت مناخاً مناسباً في هذه الدولة لاستثمار خبراتها ومهاراتها وتجاربها ومؤهلاتها ووضعتها في خدمة الدولة..

ولا أحد ينكر هذا، لكن المطلوب الآن بعد مرور كل هذه الفترة، هو إقحام العناصر الشابة التي تخرجت من الجامعة ومختلف مؤسسات التعليم العالي، وإعطاؤها فرصة المساهمة والمشاركة في بناء وطنها بكل فخر واعتزاز.

بيانات وإحصاءات جامعة الإمارات العربية المتحدة وكليات التقنية العليا وجامعة الشارقة وجامعة زايد وجامعة أبوظبي وجامعات أخرى عديدة، تشير إلى تخرج المئات من أصحاب الشهادات الجامعية في مختلف التخصصات الإعلامية، وهذا يعتبر مؤشراً جد إيجابي لإنجاح عملية التوطين، وتشجيع العناصر الوطنية الشابة على اكتساح مهنة المتاعب.

من جهة أخرى نلاحظ الشكاوى المتكررة لخريجي الجامعات والكليات بشأن عدم وجود وظائف في قطاع الإعلام. ترى أين الخلل؟ خريجو الجامعة من حملة شهادة الاتصال الجماهيري متوفرون، والقيادة السياسية تصر على التوطين في قطاع الإعلام وضرورة النهوض بإعلام قوي وفعّال، ينتهج كشف الأخطاء والتجاوزات كمذهب رئيسي من مذاهب عمله. وهذا يعني أن الشروط والمستلزمات متوفرة، وأن صانع القرار في الدولة مقتنع بضرورة وأهمية عملية التوطين، لكن من دون شك هناك بعض العراقيل والمشكلات.

المشكل الرئيسي الذي يواجه الخريجة الجامعية في ميدان الإعلام والاتصال، هو موقف العائلة والمجتمع ككل من مهنة الصحافة، حيث يواجهها موقف سلبي في الكثير من الأحيان، ناجم عن صور نمطية وصور مشوهة وخاطئة عن العمل الصحافي والعمل في المؤسسة الإعلامية، مهما كانت طبيعة العمل.

مشكل آخر يحول دون إقبال الشاب الإماراتي على مهنة الصحافة والممارسة الإعلامية بصفة عامة، هو أن مهنة المتاعب تتطلب الكثير من صاحبها ولا تعطيه إلا القليل، أي أن الراتب والحوافز لا تشجع على الإقبال على العمل في المؤسسات الإعلامية، وأن الوظيفة تتطلب مهارات متعددة وثقافة واسعة ومطالعة مستديمة ومواكبة مجريات الأمور محلياً ودولياً....

وهذا ما قد لا يقبل به الكثير من الشباب في أيامنا هذه. إن عملية توطين الإعلام في الدولة تتطلب خطة محكمة ومدروسة من قبل الحكومة من جهة، والمؤسسات التي تكوّن الكوادر الإعلامية من جهة ثانية، والمؤسسات الإعلامية التي تستخدم هذه الكوادر من جهة ثالثة.

وهذا يعني أن خريج الجامعة بالتنسيق ما بين الجهات الحكومية والمؤسسة التي تكوّنه والمؤسسة الإعلامية التي توظفه مستقبلاً، بإمكانه أن يتدرب ويعرف مسبقاً المؤسسة التي يعمل فيها منذ السنة الأولى من التحاقه بالجامعة.

هذا يعني أن المؤسسة الإعلامية وضمن خطة التوطين، من واجبها أن توفر التدريب العملي للطالب الجامعي، وتعمل على استقطابه للعمل لديها، ودور المجلس الوطني للإعلام أساسي في الإشراف على تنظيم دورات تدريبية للقائمين بالاتصال، القدماء والجدد، لمواكبة التطورات التكنولوجية والنظرية في المجال الإعلامي وثورة الاتصال والمعلومات. وعلى الطالب أو الطالبة الجامعية الالتزام بالمؤسسة الإعلامية التي تسهر على تدريبه، بعد الالتزام بحب المهنة والتفاني من أجلها.