تعيش الساحة الفلسطينية مصاعب جمة نتيجة انعكاسات الحالة العربية المتردية عليها، وقد بان هذا الانعكاس صارخاً وجلياً مع النزول الفلسطيني الرسمي عند الضغوط الأميركية "الإسرائيلية" التي كان آخرها العودة إلى طاولة المفاوضات فيما مازالت حكومة نتانياهو تمعن في سياساتها الاستيطانية التهويدية دون رادع دولي بل وفي ظل تغطية أميركية وموقف منحاز بالكامل.

المصاعب التي تعيشها الساحة الفلسطينية زادت وارتفع منسوبها مع استمرار حالة الانقسام في البيت الفلسطيني، وتراجع الحديث عن أهمية وضرورة العمل من أجل إنجاز مهمة طي الانقسام الداخلي، وإعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية بعد سنوات من الانقسام غير المبرر.

إن انعكاسات الحالة العربية والفوضى التي تعم عدداً من البلدان العربية المؤثرة كمصر، لا تعني أن الأمور في البيت الفلسطيني بعيدة عن أسباب الاستمرار بالانقسام، بل ما زالت العقبات الداخلية قائمة وحاضرة بقوة في المشهد الداخلي الفلسطيني، مع استمرار اللغة الفصائلية الضيقة وغياب اللغة التوحيدية الجامعة والموحدة.

وعليه، إن فتح الدروب أمام إعادة بناء العقد التاريخي الوطني للحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، يَفتَرض خروج الناس والقوى من عباءة الأطر التنظيمية الضيقة لصالح الفضاء الوطني الأوسع، وكسر الأنانيات والعصبويات التنظيمية المقيتة، كما يقتضي العودة لإحياء منظمة التحرير الفلسطينية وانتشالها من سباتها العميق، ومعها كل مؤسساتها.

وإعادة توحيد عملها بين الداخل والشتات، ورد الاعتبار لوحدة كل الشعب الفلسطيني، وتفعيل مؤسساته الوطنية في الشتات الفلسطيني، فالشتات الفلسطيني وخصوصاً منهم المنسيين من فلسطينيي سوريا الذين يعيشون محنة كبرى هذه الأيام، حَمَلَ على أكتافه عبء العقود الثلاثة الأولى من حياة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.

لكنه وجد نفسه مهمشاً دون حضور في ميدان الفعل والتأثير في القرار الفلسطيني، بل وجد نفسه خارج العملية السياسية بالرغم من كل الصراخ والعويل الذي يطلق من حين لآخر بالنسبة لقضية حق العودة باعتبارها "لباب" القضية الفلسطينية.

إن مفتاح العودة للوحدة الوطنية الحقيقية وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كائتلاف وطني عريض يمثل كل مكونات الشعب الفلسطيني الحزبية والسياسية والمؤسساتية يفترض دخول كل القوى الفلسطينية إلى الإطار الائتلافي للمنظمة بما في ذلك حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

فالوقائع التي تشكّلت بعد انطلاق الانتفاضة الكبرى الأولى باتت تفترض إعادة النظر بخارطة ووجود القوى في الساحة الفلسطينية.

وتأتي في هذا المقام ضرورة حل مشكلة القوى المنشقة على ذاتها والتي باتت تعمل بأسماء مختلفة أو تحت الاسم نفسه، وذلك بطريقة ديمقراطية تحفظ مشاركة وإسهام الجميع، وقد نتجت تلك الازدواجية عن انشقاقات في صفوف تلك الفصائل، نهاية الثمانينيات من القرن الماضي "ولسنا بصدد الاستطراد بأمرها" وقد تكرست هذه الانقسامات مع ظهور اتفاق أوسلو.

كم يتطلب الأمر تخفيض عدد أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، بشكل لا تزيد عضويته على نحو ثلاثمائة عضو بين الداخل والشتات، إضافة لأهمية اعتماد مبدأ الانتخابات حيث أمكن، والتوافق الوطني حيث تصعب الأمور، في بناء المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره السلطة التشريعية العليا للشعب والمنظمة، وبالتالي إلغاء مبدأ الكوتا والمحاصصة واقتسام الكعكة.

فالأساس في تشكيل المجلس الوطني يفترض أن يقوم على الانتخابات وفق التمثيل النسبي الكامل والتوافق حيثما يتعذر ذلك.

إن تحقيق انتخابات ديمقراطية نزيهة لتشكيل المجلس الوطني، يفضي بالضرورة باتجاه ولادة مؤسسات وطنية ائتلافية قادرة على صياغة وتقرير برنامج سياسي يمثل الإجماع الوطني الفلسطيني، برنامج يأخذ بعين الاعتبار إعادة توحيد وتفعيل عوامل القوة في الوضع الفلسطيني وتثميرها بإنجاح الهدف الوطني الأسمى.

هذا إذا ما أضفنا أن معظم أعضاء المكاتب السياسية لعموم الفصائل بشكل عام، مازالوا في مواقعهم منذ تأسيس تلك الفصائل، لا يزيحهم عن عضوية المكتب السياسي إلا الموت، أو الانشقاق، أو الخروج من التنظيم لسبب أو لآخر.

وقد حدثت حالات فردية محدودة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عندما اختار بعض أعضاء المكتب السياسي الإحجام عن ترشيح أنفسهم في المؤتمر السادس عام 2000 وإفساح المجال أمام الأجيال الصاعدة من الكوادر لأخذ دورها، بما في ذلك المرحوم الدكتور جورج حبش الذي خرج من موقعه القيادي كأمين عام ومؤسس للجبهة ولحركة القوميين العرب.

وقد خرج من القيادات التاريخية للجبهة الشعبية ولعموم الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة كلاً من: صلاح صلاح، والمرحوم أحمد اليماني، وأبو العبد يونس. الذين أخذوا بخيار عدم ترشيح أنفسهم وترك المجال أمام الكوادر الصاعدة.