كثيرة هي القصص حول البلاغ الكاذب وتبعاته، كما أنها في غالبيتها تشكل مادة دسمة للبحث والتمحيص، لكنها في كل الأحوال جريمة، وفي الوقت نفسه ليست مادة للتسلية والتندر، خصوصاً أننا جميعاً يفترض أن نعرف معنى البلاغ الكاذب، لكن من المرجح أن معظمنا لا يعي ولا يدرك تبعاته وتداعياته ونتائجه، والإجراءات المتبعة بخصوصه.
وكلنا يعرف أيضاً أنه في أبسط تعريفاته يعني تعمد إخبار إحدى السلطات العامّة كذباً، بما يتضمن إسناد فعل معاقب عليه إلى شخص معيّن، بنية الإضرار بسمعته وشرفه، وركنها الأساسي أن يتم الإبلاغ عن أمر مكذوب حتماً، مستوجب لعقوبة فاعلة.
لكن السؤال الأهم؛ هل نعرف أنه جريمة وليس مادة للتسلية أو الترف والضحك وتركيب الأفلام هنا وهناك؟ بل إنه من أشد الجرائم المخلة بسير العدالة والحق، كونها تمس حقوق الناس وكرامتهم، كما أنها تسبب إزعاجاً للسلطات، وتلحق ضرراً ما بالأمن العام، وتسبب القلق والإرباك للمجتمع.
وعدا عن ذلك، هي ادعاء وافتراء، يفترض ألا يكون له أي مبرر. وهي جريمة عندما تتوافر فيه أركان أساسية، هي: البلاغ أو الإخبار، والأمر المُبلغ عنه، والجهة المقدّم إليها البلاغ، وكذب البلاغ. والبلاغ الكاذب جريمة، والجريمة تستوجب عقاباً وجزاءً.
والقصص في هذا المجال عديدة ومتنوعة، ومحزنة أيضاً، فهذا يروي أنه كان يمزح مع جاره وحصل ما حصل، وذاك يقول إنه كان يريد أن يرى ردة فعل ابن عمه، لكن نتيجة الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، وآخر يقول؛ كنت فقط أريد التسلية بمشاعر الجيران للحظة، من باب المزاح، وهكذا. لكنهم عادوا واعترفوا أنهم ارتكبوا حماقات وجرائم دفعت بهم إلى السجن، أو ألحقت الضرر بالآخرين، عدا كونها أزعجت السلطات المعنية.
وبالتأكيد ليس كل الناس من هذا الطراز، فهناك من يتعمد ارتكاب جريمة البلاغ الكاذب عن سابق إصرار وتخطيط، لأن له أهدافاً ومآرب أخرى لا علاقة لها بالتسلية والمزاح والضحك، بل لتنفيذ مخططات تتجاوز إرباك السلطات وإحداث القلق للمجتمع، إلى تنفيذ جرائم أخرى أكثر خطورة.. هؤلاء مهما كان عددهم ومخططاتهم، لا بد من تغليظ العقوبات في حقهم.
إن مفهوم القانون المرن هو الذي يميز بين الحالتين، وهو الذي يحمل في ثناياه ردع وتوعية أولئك الباحثين عن التسلية وما شابه، يناسبهم القانون المخفف المرن الممزوج بالتوعية والنصح، من دون إسقاط الجزاء في العقوبة، لكن لا بد من تغليظ العقوبات للمجرمين المحترفين.
وبالتالي فإنها ليست مسألة بسيطة وعابرة، ولذلك جاءت العقوبات لمرتكب هذا الجرم تتضمن الحبس، حيث يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تتجاوز 3 آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أبلغ السلطة القضائية أو الجهات الإدارية، عن حوادث أو أخطار لا وجود لها، أو عن جريمة يعلم أنها لم ترتكب.
كل هذا لا يلغي حاجتنا للمزيد من التوعية والنصح والإرشاد، وأن الثقافة القانونية ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، خصوصاً أن كثيرين لا يعرفون خطورة ما يقومون به من أعمال وتصرفات يعتقدون أنها بسيطة أو عادية، أو للتسلية فقط، وفجأة إذا هم أمام القضاء والمحاكم..
وبعد التحقيق والتمحيص نجد أنهم لم يدركوا مدى خطورة ما يقومون به، فلا يقعون في شر أعمالهم وحسب، بل في شر قلة وعيهم وإدراكهم، حيث يتكشف لديهم نقص هائل في الثقافة القانونية التي أصبحت ضرورة ملحة لا يمكن الاستغناء عنها.
بالتأكيد هناك حالات ليست قليلة، يكون فيها البلاغ الكاذب قصدياً وذا أهداف عدة، أقلها تضليل السلطات وإرباك المجتمع، من أجل أهداف وغايات أخرى، ومثل هذه البلاغات تكون من قبل جماعات أو أفراد محترفين، ولديهم مخططات أو سوابق لارتكاب ما هو أخطر من البلاغ الكاذب.
وإذن، لا بد من التمييز بين البلاغ الكاذب الكيدي المقصود، وبين البلاغ الكاذب الذي ينم عن جهل ويستهدف التسلية، مع أن كليهما يستوجب العقوبة. لكن لا بد من التفريق بين الحالتين، ولا بد من التوعية والإرشاد، فهذه التوعية تساهم في الحد من البلاغات الكاذبة، المرتبطة بما يمكن تسميته جهلاً أو تسلية وضحكاً، لكن لا تلغي العقوبة.