ما زالت أحوال مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين الواقع جنوبي دمشق والملاصق لها من جهة الجنوب على حاله، حيث نزوح الأغلبية الساحقة من سكانه وبقاء نحو (15) ألف مواطن منهم فقط، في ظل وضع مأساوي وصعب يتفاقم كل يوم.

بالرغم من كل الجهود المبذولة من قبل مختلف الأطراف المعنية، بما فيها عموم الفصائل والقوى الفلسطينية، من أجل إنهاء مشكلة اليرموك، وعودة أهاليه ومواطنيه إليه بعد أكثر من عام ونصف العام على محنته.

الجهود المبذولة كلما وصلت إلى حدود الانفراج لا تلبث أن تتعطل من جديد بفعلِ عوامل عدة، على رأسها المنحى الاستخدام لبعض الأطراف لموضوعة مخيم اليرموك في مسار الأزمة السورية، خصوصاً إذا علمنا بأن هذا التجمع الفلسطيني هو الأكبر على الإطلاق في الشتات خارج فلسطين، وهو التجمع الذي يُطلِقُ عليه الجميع مسمى «عاصمة الشتات الفلسطيني».

لقد بدا واضحاً أن مخيم اليرموك وسكانه في بؤرة الاستهداف والاستخدام السياسي، وفي بؤرة لعبة غير بريئة تريد «تطفيش» اللاجئين الفلسطينيين وإخراجهم خارج حدود المنطقة، وبالأخص منهم لاجئو فلسطين في لبنان وسوريا في سياقات اللعبة السياسية الكبرى لوأد حق العودة وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.

إذ بات هناك في المغتربات البعيدة عشرات الآلاف من فلسطينيي سوريا، بعد أن ركبوا العواصف والبحار وصولاً إلى تلك البلدان على امتداد المعمورة، بحثاً عن الأمن والأمان، وعن الكرامة والعيش كبشر تحت نور الشمس.

في هذا السياق، من الملاحظات العامة لحياة السكان من المواطنين الفلسطينيين في مخيم اليرموك، تلك الحالة الحيوية المفعمة بالضجيج الدائم، ضجيج الحياة العملية التي حوّلت العديد من شوارعه ومواقعة الرئيسة أسواقاً عامرة، معظم زبائنها من خارج اليرموك، وحتى من وسط دمشق.

ضجيج الحياة العملية العامة ترافق مع ظاهرة لافتة للانتباه عند كل الدارسين للواقع السوسيولوجي الاجتماعي وتحولاته في مخيم اليرموك ومحيطه، وهي الظاهرة المدروسة التي تشير إلى أن نسبة الفتيان تملأ المخيم وشوارعه وحاراته، في مجتمع فتي تطغى عليه نسبة من هم دون سن الـ(15).وتشير المُعطيات الديمغرافية المُتوافرة والصادرة عن عدد من الجهات الرسمية الموثوقة.

ومنها الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا، ووكالة الأونروا، والمركز الفلسطيني للإحصاء، إلى أن المجتمع الفلسطيني في مخيم اليرموك وفي سوريا عموماً مجتمع فتي، تكثُرُ فيه نسبة من هم دون سن السادسة عشرة، وتكاد تقارب نحو (60%) من السكان.

كما تُشير تلك المعطيات إلى أن المجتمع الفلسطيني في اليرموك، والفلسطيني عموماً، يُعد أقل المُجتمعات شيخوخة، مقارنة بالدول النامية والمُتقدمة، إذ لا تزيد نسبة كبار السن فيه (60 عاماً فأكثر) عن (4.4%) من المُجتمع. وفي هذا المجال، تُشير المعطيات أيضاً إلى أن مُعدل الخصوبة الكلي للفلسطينيين في اليرموك وفي سوريا عموماً يبلغ (2.5) مولود.

فيما ارتفعت معدلات توقّع البقاء على قيد الحياة بمقدار (4 إلى 7) سنوات خلال العقد ونصف العقد الماضيين، إذ ارتفع من نحو (67) عاماً لكل من الذكور والإناث عام 1992 إلى (71.0) عاماً للذكور و(73.9) عاماً للإناث. وتشير بيانات وكالة الأونروا إلى الفئات العمرية للاجئين الفلسطينيين في سوريا، ومنها مخيم اليرموك على وجه التحديد والمسجلين في قيودها كما يلي:

(36,51%) من عمر (15) سنة وأقل، (53,82%) بين (16 ـ 59) سنة، (9,67%) من عمر (60) سنة وأكثر.

بينما تُشكّل نسبة النمو السكاني وسط اللاجئين الفلسطينيين في سوريا واقعاً تزايدياً عن السنة التي سبقت بنسبة (3,3%)، وبنسبة تبلغ (3.6%) إلى مجموع اللاجئين الفلسطينيين بشكل عام، وتبلغ نسبتهم إلى مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في سجلات وكالة الأونروا نحو (10,3%)، ونسبتهم إلى السكان في سوريا (2,9%) من مجموع سكان سوريا.

وتبلغ نسبتهم إلى المجموع العام لكل أبناء الشعب الفلسطيني (7%) مسقط منهم أعداد ليست بالقليلة لم يتم اعتمادهم في سجلات الأونروا لأسباب متعددة، فضلاً عن وجود آلاف عدة من اللاجئين العرب السوريين الذين كانوا يقيمون في فلسطين لحظة النكبة عام 1948.

وتعرضوا للتهجير واللجوء كما تعرض الفلسطينيون، وخسروا أملاكهم في فلسطين من عقارات وأراضٍ ومصالح مختلفة، والحال أنهم بقوا خارج كشوف وكالة الأونروا.

هذا هو اليرموك، عاصمة الشتات الفلسطيني عنوان حق العودة، فمن يعتدي على اليرموك يعتدي على حق العودة، ومن يَمسُ اليرموك، يَمِسُ حق العودة، ويُسهم في تمرير اللعبة المُدارة خلف الكواليس السرية في ظلام الدبلوماسية، من أجل إنهاء هذا الحق الذي يتواصل من جيل إلى جيل.