سُجِلت خلال الشهر الأخير في قطاع غزة نسبة عالية من الولادات وعمليات الإنجاب، إذ تم تسجيل نحو 5000 واقعة ولادة، تمت بسلامة وسلاسة ودون أضرار على الأمهات، رغم ويلات الحرب والعدوان الظالم على القطاع، وتراجع خدمات المستشفيات والمستوصفات نتيجة استهدافها المباشر من قبل إسرائيل.
مؤشر عملية الولادات والتكاثر في قطاع غزة، يُقلق قادة إسرائيل وصناع القرار في الدولة الصهيونية. فهم يعتقدون أن المعركة الديمغرافية من أقسى المعارك الخفية التي تخوضها إسرائيل في مواجهة الشعب الفلسطيني، ليس في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، بل وداخل عمق فلسطين المحتلة عام 1948، وهو ما أشارت إليه تكراراً تقارير مؤتمرات »هرتزليا« السنوية أو »مؤتمر المناعة القومية في إسرائيل« كما يُطلق عليه من قبل منظميه من الحكومة الإسرائيلية.
ومع ذلك، فالمعركة هنا ليست ديمغرافية فقط (كما يعتقد البعض) على أهميتها، بل تأخذ أبعاداً إضافية لها علاقة بحياة المجتمع الفلسطيني على أرض فلسطين، وتطوره من كافة النواحي، وخصوصاً من الناحية التعليمية والمعرفية، رغم أهوال العدوان وفاشيته، والحصارات المتلاحقة والاجتياحات التي لم تتوقف طوال السنوات الأخيرة.
فالمعطيات الإحصائية تشير إلى أن معدلات الأمية بين البالغين في قطاع غزة، تُعد من أقل المعدلات في العالم، حيث بلغت نسبة الأفراد من 15 سنة فأكثر، نحو 6,1% فقط، وبواقع 2,8% للذكور و9,5% للإناث في عام 2013، بينما بلغت 27,5% في الدول العربية خلال الأعوام 2005-2007، حسب بيانات معهد اليونسكو للإحصاء، وبلغ مجموع الأميين في العالم العربي حوالي 58 مليونا في نفس الأعوام، منهم 39 من الإناث، بواقع نسبة أمية بين الإناث تصل 37,8% مقارنة بـ17,6% بين الذكور، بينما بلغت نسبة الأمية عالمياً بين الأفراد من 15 سنة فأكثر 16,1%.
وهناك تطورات طرأت على معدلات الأمية في قطاع غزة وعموم الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، خلال الثلاث عشرة سنة الماضية، حيث أشارت البيانات الرسمية الفلسطينية إلى أن هناك انخفاضاً ملموساً في نسب الأمية بعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، حيث بلغت نسبة الأمية بين الأفراد من 15 سنة فأكثر 15,7% عام 1995، وانخفضت إلى 6,1% في 2007.
وهذا الاتجاه في الانخفاض ينطبق أيضاً على الذكور والإناث، حيث انخفضت النسبة بين الذكور من 8,5% عام 1995 إلى 2,8% في 2007 على سبيل المثال. أما بين الإناث فقد انخفضت من 10,23% إلى 9,2%.
كما انخفضت النسبة في التجمعات الحضرية من 12,2% عام 1995 إلى 5,2% في 2007، بينما انخفضت في التجمعات الريفية من 18,4% إلى 8,1% لنفس الفترة. وفي مخيمات قطاع غزة والضفة الغربية، انخفضت النسبة من 15,5% إلى 5,5% للفترة ذاتها. وقد توزعت نسبة الأمية عام 2013 للذكور بواقع 2,5% في المناطق المدنية و3,5% في مناطق ريف قطاع غزة والضفة الغربية بشكل عام، و2,5% في المخيمات. أما الإناث فكانت أعلى نسبة في الريف 12,9%، ثم في المخيمات 8,8%، وفي الحضر 8,1%.
أما على مستوى العمر، فقد أظهرت البيانات أن نسب الأمية بين كبار السن من عمر 65 سنة فأكثر، كانت الأعلى بالمقارنة مع الفئات العمرية الأخرى، في حين بلغت بين الشباب من 15-24 سنة 0,9% عام 2013. ومع تخطي مفهوم القراءة والكتابة، لتشمل المقدرة على التحليل والتعامل مع المجردات على عدة مستويات، فقد بدأ جهاز الإحصاء في فلسطين منذ عام 2004 بالتعاون مع معهد اليونسكو للإحصاء (UIS) وضمن مجموعة دولية، تنفيذ مسح أسري لتطبيق برنامج تقييم وتتبع مستويات القرائية (LAMP)، حيث يركز هذا البرنامج على فحص قدرة الأشخاص على استخدام مهارات القراءة والكتابة والحساب في حياتهم.
هذا هو قطاع غزة، القطاع الصامد بشعبه أمام آلة الحرب الهمجية العدوانية الصهيونية. فتلك المعادلة لن تُكسر لشعبٍ مازال يجترح كل يوم أسباب البقاء فوق أرض وطنه التاريخي، ولن تكسر تلك المعادلة ما دامت هناك إرادة وطنية فلسطينية باقية وصامدة على أرض فلسطين وفي الشتات، وهي تحمل في قلبها وروحها الحلم الوطني الفلسطيني.