مضى أكثر من خمسين يوماً على العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، وبالطبع فإن الخسارة الإسرائيلية على المستويات القيمية الأخلاقية، غير واردة في حسابات حكومة اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، حيث عززت الأحداث الأخيرة من صورة الفاشية الإسرائيلية، ومن سقوطها الأخلاقي، ومن صورة المجتمع الإسرائيلي على امتداد أرض فلسطين التاريخية، وهو المجتمع المُشبع بروحية النزعات النازية، والسلوك الفاشي ضد الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصليين، مُجتمع بات مُتخماً بروح الغطرسة، ومؤمناً حتى النخاع بمنطق القوة وحدها لا غيرها.
وفي الواقع العملي، وعلى المستوى الاقتصادي، فإن فاتورة الخسارة الإسرائيلية مفتوحة على مصراعيها، فكل المعطيات والدلائل تشير لوجود خسائر اقتصادية «إسرائيلية» باهظة، وحسب موقع «جلوبس» المعني بشؤون الاقتصاد الإسرائيلي، فإن التكلفة والفاتورة الأولية في جانبها الاقتصادي لعملية «الجرف الصامد» التي أطلقتها حكومة نتنياهو ضد قطاع غزة، باتت حتى اليوم الخمسين من الحرب تساوي نحو ستة مليارات دولار أميركي، بواقع يبلغ نحو 120 مليون دولار أميركي تقريباً، كخسائر يومية يتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي، منذ بدء العدوان على قطاع غزة.
تأتي تلك التكلفة الاقتصادية، نتيجة توقف مواقع ومصانع الإنتاج، وخصوصاً منها مصانع (الهايتك للإلكترونيات وغيرها) والواقعة في المدن والمستعمرات المختلفة والقريبة من غلاف قطاع غزة، وشل العمل في ميناء أسدود (أشكلون) البحري، إضافة لتراجع حركة الطائرات في مطار اللد (مطار الشهيد جورج حبش عند الفلسطينيين)، وتراجع مداخيل السياحة، حيث مني هذا القطاع الذي بضربة موجعة، وقد سَجلَ انخفاضاً درامياً بنسبة 53%.
وفوق كل ذلك النزوح السكاني الكثيف من مستعمرات الغلاف المحيط بقطاع غزة باتجاه العمق المحتل عام 1948، ولا يزال بعضهم يرفض حتى الآن العودة وسط الخشية من تعرضهم لهجمات (تحت أرضية) من قبل المقاومين الفلسطينيين، بل وقيام المئات منهم بالسفر خارج إسرائيل، حيث يحتفظ أكثر من 65% من سكان الدولة العبرية الصهيونية بجنسية ثانية، هي جنسية موطنهم الأصلي، وفي الجانب العسكري، فإن الخسائر كانت باهظة هذه المرة، بجانبها الأقسى والمتعلق بالخسارة البشرية.
حيث تشير مختلف المعطيات لوقوع عدة مئات من القتلى من جنود وضباط الاحتلال (نحو 300) قتيل، ونحو ألفي إصابة، بعضها إصابات ستبقى مستديمة، تُشكِّلُ عاهات دائمة لأصحابها من جنود وضباط جيش الاحتلال.
في الجانب المالي، وبحسب معهد «فان لير الإسرائيلي»، فإن تعيين تخطيط ميزانية الجيش السنوية القادمة للعام 2015 باتت تفترض زيادة ملموسة، حيث زيادة النفقات والمجهود العسكري وأثمان الذخائر وغيرها.
لقد شنت الدولة العبرية الصهيونية عدوانها الأخير على القطاع مستخدمة خيرة تشكيلاتها القتالية، مع الإفراط باستخدام سلاح الجو، الذي استهدف نحو خمسة آلاف هدف داخل قطاع غزة، تم خلالها إلقاء الحمم النارية على عموم مناطق القطاع، الذي لا تتجاوز مساحته الجغرافية أكثر من 366 كيلومتراً مربعاً، وهي الحمم التي تعادل مفعول أربع قنابل نووية من طراز القنبلة الأولى التي ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية نهاية الحرب الكونية الثانية في أغسطس 1945.
لقد كانت معظم تلك الأهداف الأبنية السكنية، حيث تسببت تلك الغارات الوحشية بتدمير نحو 10690 وحدة سكنية (نصفها دمار كلي) وتضرر 141 مدرسة تابعة لوكالة الأونروا، و23 مؤسسة طبية (بما في ذلك خمسة مستشفيات تم إغلاقها) ونحو عشرة مساجد (بعضها دمار كلي).
ولا تشمل إحصائية الهجمات «الإسرائيلية» القصف المدفعي الذي تجاوز عدد القذائف التي أطلقت فيه 30000 قذيفة، بحيث اقتضى الأمر فتح مخازن الطوارئ الأميركية الموجودة في «إسرائيل» لسد النقص الذي حصل في بعض أنواع ذخيرة المدفعية.
إن حكومة نتنياهو، دفعت بزبدة جيشها للقيام بالعملية العدوانية الواسعة على قطاع غزة، حيث شاركت ألوية النخبة الثلاثة: لواء غولاني، لواء جفعاتي، لواء المظليين. وتَزعُمُ هذه الوحدات أنها تمكنت من تدمير 32 نفقاً هجومياً فلسطينياً.
هذه هي الجردة السريعة للفاتورة المادية الملموسة التي تدفعها إسرائيل جراء العملية العسكرية العدوانية على القطاع، فيما غابت عن حسابات العقل السياسي والأمني والعسكري الإسرائيلي الفاتورة القيمية والأخلاقية، وهي الفاتورة الباهظة التي ستجد إسرائيل نفسها أمام استحقاقاتها حتى لو طال الزمن.