رغم كل الكوارث التي حلّت على الشعب الفلسطيني، منذ النكبة وولادة قضية اللاجئين في الشتات، والكارثة الأخيرة بهجرة الأعداد الكبيرة من فلسطينيي سوريا إلى أصقاع المعمورة نتيجة الأزمة الداخلية في سوريا وانعكاساتها السلبية على لاجئي فلسطين المقيمين في البلاد منذ عام 1948..

فإن قرابة نحو 93% من المجموع العام للشعب العربي الفلسطيني، ما زالوا يعيشون داخل حدود فلسطين التاريخية (المناطق المحتلة عام 1948 والضفة الغربية والقدس وقطاع غزة)، أو في النطاق المحيط بها في دول الطوق العربية (أو دول اللجوء الثلاث المعروفة:

الأردن، لبنان، سوريا، وبشكلٍ أقل بكثير مصر والعراق). بمعنى أن المواطن الفلسطيني خارج فلسطين ما زال على مقربة من وطنه التاريخي وحتى في حالة ملاصقة، فأقصى التجمعات والمخيمات الفلسطينية (في دول الشتات الرئيسية) بُعداً عن أرض فلسطين، تقع شمال سوريا في «مخيم حندرات» قرب مدينة حلب.

وفي مخيم «النيرب» قرب مدينة حلب أيضاً، بمسافة لا تزيد على 400 كيلومتر من أقرب نقطة في فلسطين، في حين تبلغ نسبة الفلسطينيين في الجوار المحيط بفلسطين وعلى بعد أقل من 100 كيلومتر منها، أكثر من 70% من فلسطينيي الشتات. وهذا أمر له تعبيراته، ويحمل في طياته المعاني الواضحة التي تدل على تمسك الفلسطيني بحقه في العودة طال الزمن أم قصر، رغم كل الهجرات البعيدة التي وقعت خلال الفترة الماضية.

الحالة الديمغرافية العامة لمواطني فلسطين في الداخل (مناطق 1948) وفي عموم الأرض المحتلة عام 1967 (القدس والضفة الغربية وقطاع غزة)، والشتات القريب (سوريا ولبنان والأردن)، تُقلق صناع القرار في الدولة العبرية الصهيونية، حيث وصل العدد الكلي للفلسطينيين نحو 12 مليون مواطن، في متراجحة جغرافية لم تعد تميل لصالح الاحتلال من الزاوية السكانية الديمغرافية.

فالمؤشرات تقول إن عدد الفلسطينيين فوق عموم أرض فلسطين التاريخية، بات يقارب نحو خمسة ملايين مواطن، مقابل العدد ذاته من اليهود، رغم سيل الهجرات الكولونيالية الاستعمارية الصهيونية لأرض فلسطين، وهي هجرات باتت متقطعة ومحدودة مع نضوب المستودع وعزوف العدد الأكبر من يهود العالم عن الهجرة إلى فلسطين، وتفضيلهم البقاء في أوطانهم الأصلية، ومع تنامي ظاهرة التماثل عند اليهود (الزواج المختلط) واندماجهم في مجتمعاتهم الأصلية.

إن ميزان المعركة الديمغرافية بدأ يميل لصالح أغلبية سكانية فلسطينية على عموم أرض فلسطين التاريخية، وهي نتيجة تتحقق بشكل بطيء، لكنه يتوقع أن يتسارع مع مرور الوقت، لمجتمع فتي، إذ تقدر نسبة الأفراد في الفئة العمريـة 0ــ14 سنة منتصف عام 2011 على سبيل المثال، بحوالي 40,8% من مجمل السكان فـي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.

وبواقع 38,9% في الضفة الغربية والقدس الشرقية، و44,1% في قطاع غزة. ويلاحظ هنا انخفاض نسبة الأفراد الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة فأكثر، حيث قُدرت نسبتهم في منتصف 2011 بحوالي 2,9%، وفق معطيات المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني في رام الله.

وهنا يُشكّل جيل الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، نحو ثلث الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وهو رقم ينطبق على حالة الشتات الفلسطيني في دول الطوق، وأن بيانات الزواج والطلاق في الضفة الغربية والقدس والقطاع خلال العام الفائت، أظهرت أن 92,3% من إجمالي عقود الزواج المسجلة للإناث، كانت في الشريحة العمرية الواقعة بين 15 و29 عاماً، مقابل ما نسبته 81,5% للذكور من الشريحة نفسها.

وبناء على المعطيات الواردة أعلاه، فإن عتاة الصهاينة يبدون الهلع مما أسموه الانفجار الحقيقي في نسبة الولادة عند الفلسطينيين، وموجات الزيادة الديمغرافية.

حيث يقولون الآن «إن المعركة من أجل إسرائيل لن تكون في وادي الأردن أو في الجولان أو على الحدود مع قطاع غزة، ولكن داخل البيوت». ويضيفون قولهم «إن ازدياد النسل، سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، من الناحية النسبية يزيد عن نسبة زيادة النسل في إسرائيل بعدة نقاط، وفي مستقبل قريب سيكون عدد الفلسطينيين أكثر من عدد الإسرائيليين على امتداد الأرض التاريخية لفلسطين الانتدابية».

إن مصادر القرار في إسرائيل تراقب عن كثب تلك التحولات الديمغرافية الحاصلة على الأرض، حين يقولون «إن زيادة النسل في الجانب الفلسطيني مستمرة بلا توقف، ففي الأيام الأولى من انتهاء الحرب (الأخيرة 2014) على قطاع غزة، سجلت 1090 حالة ولادة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ونسبة المواليد إلى حجم السكان تدل على أنه لا توجد أي دولة في العالم تسير بهذه الدفعة التناسلية».

أخيراً، لا يمكن التعويل على التحولات الديمغرافية وحدها في مسار الكفاح الوطني الفلسطيني، من أجل الظفر والفوز بالحقوق الوطنية والتاريخية للشعب العربي الفلسطيني، لكن تلك التحولات مؤثرة ولا يمكن إهمالها في مواجهة مجتمع آخر تم غرسه على أرض فلسطين، بطريقة مصطنعة.

ويتوقع لها أن تعطي نتائجها على مديات تالية، حيث نضوب الهجرة اليهودية لفلسطين وتراجعها، ووجود حالة متنامية من الشيخوخة الزاحفة في إسرائيل، وهي حالة يُقدر لها أن تستمر، وأن تعطي نتائج ديمغرافية حاسمة على الأرض في نهاية المطاف.