في ضوء الأزمة الأوكرانية، أعلن حلفاء حلف شمالي الأطلسي «ناتو» في قمة ويلز الأخيرة، عن قوة انتشار سريع جديدة للرد على أي تهديد يتعرض له أحد أعضائه على أطراف روسيا، وذلك إلى جانب العقوبات المفروضة. أما كون هذا الأمر يكفي لردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيعتمد على كيفية حل الوضع في أوكرانيا.

فإذا كان نشر قوات محتملة في دول البلطيق يعزز أمن تلك الدول على المدى المتوسط، فإن أمنها يبقى على مدى الأشهر المقبلة موضع تساؤل، إذا ما تم حل الأزمة الأوكرانية بطريقة تجعل بوتين منتصراً، والقوى الديمقراطية في أوكرانيا خاسرة أو ضحية. وهذا بدوره، سوف يطرح مسألة مدى سلامة جميع البلدان حول حافة روسيا على المدى الأطول، وخاصة دول البلطيق.

وما يسعى بوتين إلى القيام به هو إيجاد كثير من المشقات وكثير من الفوضى في أوكرانيا، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار الحكومة الأوكرانية، حيث يمكن لبعض عناصر المتمردين المدعومين من بوتين استلام السلطة، وبالتالي التخلي عن جهود أخذ أوكرانيا إلى الغرب الديمقراطي، وسينضم أولئك الذين في السلطة بعد ذلك إلى بوتين في مسيرته لإيجاد اتحاد أوروآسيوي.

وهذا الاتحاد ليس إلا اسماً جديداً للاتحاد السوفييتي، أو للإمبراطورية القيصرية السابقة.

الوصول إلى نتيجة ديمقراطية للأزمة الأوكرانية، يعني بناء نوع من التوافق، حيث تنتقل أوكرانيا في نهاية المطاف نحو انخراط أكبر مع أوروبا، من دون السعي إلى الانضمام لـ«ناتو»، ومع الإبقاء على علاقات اقتصادية مع روسيا. وهذا من شأنه أن يعود بالنفع على أوكرانيا وروسيا، مع إمكانية استعادة العلاقات التجارية العادية.

وعلى «ناتو» تأمين السلاح مباشرة لأوكرانيا، وعدم حدوث ذلك يعطي إشارة لبوتين بأن بإمكانه التصعيد عسكرياً كما يرغب، في سبيل زعزعة استقرار أوكرانيا تماماً.

أما بالنسبة لوجهة نظر المصلحين الليبراليين من حقبة الزعيم السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف، بما في ذلك غورباتشوف نفسه، بشأن توسع «ناتو» إلى الحدود الروسية، بأنه لم يكن ضمن «التفكير الجديد» الذي اتفق عليه مع الغرب في نهاية الحرب الباردة، يمكن التصور تماماً أنهم يعتقدون بصدق أن هذا يشكل النسخة الصحيحة لما تمت مناقشته في نهاية الحرب الباردة، وبالتالي قضية مشروعة بالنسبة لهم.

لكن يتوجب على المرء أن يسأل نفسه؛ ماذا كانت رغبة الناس الذين أصبحوا أحراراً بعد أكثر من 40 عاماً من القمع السوفييتي؟ إنهم لا يريدون أن يكونوا بيادق بين ما تبقى من غرب انتهى في مكان ما عند حدود ألمانيا الغربية القديمة، وبين روسيا وقد استعادت عافيتها.

وإنما أرادوا أن يكونوا جزءاً من غرب ديمقراطي، وفي النهاية جزءاً من الاتحاد الأوروبي. وتلك تطلعات مشروعة بالكامل، ولا تشكل تهديداً لروسيا، باستثناء أولئك الروس الذين لا يمكنهم تصور روسيا إلا بكونها إمبراطورية مهيمنة، تحكم ليس فقط الشعب الروسي، وإنما أيضاً تلك الشعوب الموجودة في الأراضي المجاورة لروسيا.

أما بالنسبة لـ«إعادة الانفتاح على الصين»، إذا جاز التعبير، كما فعل نيكسون في الحقبة السوفييتية، في سبيل دق إسفين في أي تكتل محتمل بين الصين وروسيا، فأولاً وقبل أي شيء، لسنا في وضع يسمح لنا بالتلاعب بالسياسة الصينية، ومع ذلك أنا لا أدعم الحجة القائلة إن ما يحدث يصب في إيجاد علاقات صينية روسية أكثر صلابة.

وأعتقد أن الصينيين يراقبون ما يحدث بحرص شديد. لم يدعموا روسيا في الأمم المتحدة عندما كان هناك تصويت حاسم بشأن سوء تصرفات روسيا، وفي الوقت نفسه يعززون نفوذهم بهدوء وسط آسيا، ولا يدعمون إدراج بلدان مثل كازاخستان في اتحاد جديد مع روسيا.

ويلعب الصينيون لعبة ذكية، ويستفيدون من أزمة روسيا مع الغرب. وقد عقدوا صفقة رائعة مع الروس بشأن الطاقة، لأن الروس ليس لديهم الخيار سوى الرضوخ لشروطهم. وأي روسي يعتقد أن الصين ستكون حليفاً لروسيا بطريقة ما ضد الغرب هو مخدوع، وما يقوم به محاولة لاستجماع الشجاعة في الأوقات الصعبة.

 وروسيا تعمل على إضعاف نفسها، إلى حد أنها ستصبح دولة تابعة تدور في فلك الصين! وهذا من شأنه أن يعود بالنفع على الغرب. وفيما القيادة الصينية عقلانية وتجري حساباتها بتأنٍ، تتصف القيادة الروسية في ظل بوتين بأنها غير عقلانية وعاطفية وجانحة وخطيرة.