من حقّ المسلمين أينما كانوا أن يعترضوا وأن يرفضوا وأن يستنكروا الرسوم الكاريكاتوريّة التي تنال من شخص النبي محمد (صلوات الله وسلامه عليه)، في صحف أوروبية كانت مجهولة عالمياً قبل ردود الفعل على أعمالها المسيئة لمعتقدات دينية.
وصحيح أنَّ هذه الرسوم هي إساءة كبيرة لا يجوز تجاهلها، فالمسلمون يرفضون الإساءة لأنبياء الله كافّة ولا يسمحون بتشخيصهم (وإن جاء التشخيص بأبهى صورة) فكيف إذا طال الاستهزاء خاتم النبيّين، من وصفه القرآن الكريم بأنّه «على خُلُقٍ عظيم» ومن أرسله الله تعالى «رحمةً للعالمين»..
إنّ التصرف العقلاني يستوجب من مسلمي الدول التي تنشر هذه الرسومات أن يقاضوا الصحف المسيئة قانونياً وألا يكتفوا بطلب الاعتذار، وبأن يرسلوا سلسلة من المقالات التي تردّ على مضمونها السياسي والذي يتمحور كلّه حول ربط الإسلام بالإرهاب، وبأن يتمّ التعامل مع القضيّة بالإطارين الإعلامي والقانوني داخل هذه الدول، اعتماداً على حقّ الردّ على إساءات طالت جالية إسلاميّة كبيرة.
ومن واجب الشخصيّات الإسلاميّة، الدينيّة والإعلاميّة، التي يعلو صوتها في وسائل الإعلام، أن تتوجّه إلى العرب والمسلمين بفضح غايات من هم وراء نشر هذه الرسوم الكاريكاتوريّة وغيرها من الإساءات للإسلام والمسلمين..
وبأن تنبّه عامّة المسلمين إلى الفخّ المنصوب لهم لخدمة جملة أهداف تريد فرز عالم اليوم بين «شرق إسلامي» موصوف بالإرهاب و«غرب مسيحي» محكوم بالعلمانيّة والديمقراطيّة. غايات كتب عنها الكثير من مثقّفي بلدان العالم الإسلامي منذ نهاية الاتحاد السوفييتي وأفول عصر «الشرق الشيوعي» و«الغرب الرأسمالي».
أولى بالحكومات العربيّة والإسلاميّة وأصحاب المؤسّسات التجاريّة الكبرى على امتداد العالم الإسلامي أن يخصّصوا نسبة زهيدة جداً من أموالهم الطائلة لصالح عرض أفضل للإسلام والعروبة في دول الغرب، ولدعم المؤسسات العربية والإسلامية التي تقوم بذلك من خلال الدفاع العقلاني، فكرياً وثقافياً وإعلامياً، عن الصورة المشوّهة للعرب والمسلمين.
هناك إساءات كبرى لمبادئ الإسلام وقيمه تحصل على أرض المنطقة العربيّة وبلدان العالم الإسلامي وتستحقّ صرخة الغضب والفعل السليم للتعامل معها.. فلماذا لا تستيقظ الهمم العربيّة والإسلاميّة على قضايا واقعيّة على أرضهم وفيها الكثير من الإساءة لما جاء به القرآن الكريم والسيرة النبويّة الشريفة؟
ولِمَ لا يكون احتلال القدس والمسجد الأقصى أشدّ إيلاماً على المسلمين في العالم من رسوم مبتذلة في صحف نكراء؟
ولماذا أصبحت صرخة الغضب ضدّ صحف أوروبية، لا مرجعيّة دينيّة أو أخلاقيّة لها، منفذاً لطروحات طائفيّة ضدّ المسيحيين، ومخاطر انعكاس ذلك على وحدة المجتمعات العربيّة والإسلاميّة؟
أليس محزناً أنّ نسبة تصدير البضائع الإسرائيليّة لبعض أسواق الدول الإسلامية تزداد وبأن العلم الإسرائيلي يرتفع في عدة عواصم عربيّة وإسلاميّة بينما تحتل إسرائيل مقدّسات إسلاميّة؟!
أليس مؤسفاً أنَّ الاتحاد الأوروبي يدعم سنويّاً المؤسّسات الفلسطينيّة بمبلغ 600 مليون أي أضعاف دعم الدول العربيّة والإسلامية!
لقد كان الأوروبيّون يضغطون على واشنطن لإجراء تسوية عادلة للصراع العربي الإسرائيلي وتحديداً للمسألة الفلسطينيّة، وبادرت عدة مؤسسات برلمانية أوروبية للاعتراف بدولة فلسطين... فأين هي المصلحة العربيّة والإسلاميّة من توسيع ساحة الخصوم، وفي استعداء الأوروبيين عموماً، وفي تحميل شعوب ودول الاتحاد الأوروبي مسؤولية عملٍ قذر قامت به صحف أوروبية مجهولة؟!.
هل هناك من مصلحة إسلاميّة في الترويج والدعاية لهذه الإساءات؟! وهل يجوز الردّ على هذه الإساءات بالقتل والعنف؟ أليس من الأفضل حصر التعامل مع هذه الظواهر المسيئة في أماكنها ومن خلال توظيف قوانين حرّية الرأي والكلمة، وبواسطة أبناء البلد أنفسهم من عرب ومسلمين وأصدقاء محلّيين؟!
فكيف كانت سيرة الرسول الأعظم مع من ناقضه بل وافترى عليه بسوء الأوصاف؟ هل كانت بالقتل والعنف؟! ثمَّ ألا نتّعظ بالمنهج القرآني الّذي يستخدم المنطق – لا الدعوة للعنف - في الرّد على كل الافتراءات بحقّ الله سبحانه وتعالى وبحقّ الأنبياء والمرسلين؟
إنَّ القليل من الفعل السليم خيرٌ من انفعال كبير. وهذا ما تحتاجه الآن شعوب البلاد العربيّة والإسلاميّة في تعاملها ليس فقط مع ظاهرة الإساءات الإعلاميّة المغرضة في الغرب، بل أيضاً مع مشاكلها وأوضاعها الداخليّة المهدّدة بالفرز والتفكّك والانشطار الطائفي والمذهبي.
وإذا كان العرب والمسلمون لا يجدون فعلاً مصلحة في المقولة الأميركيّة/الإسرائيليّة التي ظهرت في مطلع التسعينات من القرن الماضي عن «صراع الحضارات» و«الخطر الإرهابي القادم من الشرق الإسلامي»، فإنَّ أبسط الأمور الآن هي عدم الوقوع في الكمائن المنصوبة لهم على أكثر من ساحة، ومن خلال أيدٍ عربيةٍ وإسلامية!.