في نداءٍ حركي جديد، دعا أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم «داعش»، الثلاثاء الماضي، عناصر التنظيم وأنصاره في مختلف المناطق، لتنفيذ عمليات إرهابية في الشهر الفضيل، بعنوان «غزوة رمضان»، على غرار الغزوات النبوية، وحثهم فيه على الهجوم بكل الوسائل على أهدافٍ عسكرية ومدنية في الدول المشاركة في التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، ضد التنظيم الإرهابي.

بعد بضعة أيامٍ على النداء المذكور، حصدت أربع عمليات إرهابية، تبناها التنظيم الإرهابي، أكثر من 170 نفساً، فضلاً عن عددٍ أكبر من الجرحى، في أربع دول، هي فرنسا وسوريا وتونس والكويت. وتأتي هذه الهجمات في وقتٍ يتعرض فيه تنظيم داعش لضغوطٍ وهزائم متوالية في عاصمة «خلافته»، في محافظة الرقة السورية، على يد قوات الحماية الكردية المدعومة من التحالف الدولي.

كأنّ هذه «الغزوات» الرمضانية المزعومة، ليست إلا محاولة من التنظيم الإرهابي لإثبات الوجود، وتأكيد قدرته على المبادرة بالهجوم. كما أنّها توظيف لتكتيك عسكري، أصبح مقاتلو داعش يتقنونه، وهو تكتيك الإرهاب النفسي، الذي يعود استخدامه إلى المغول في القرن الثالث عشر.

وقد شهدت الكويت، في 26 يونيو، أولى العمليات الإرهابية منذ 15 عاماً. فقد فجر انتحاري داعشي، مسجد الإمام الصادق الشيعي في منطقة الصوابر شرقي الكويت، أثناء صلاة الجمعة، ما أسفر عن مقتل 27 شخصاً، وإصابة أكثر من مئتين آخرين.

ويُعيد هذا الحادث الإرهابي إلى الذاكرة، العمليتين الإرهابيتين اللتين شهدتهما المملكة العربية السعودية الشهر الفائت، واستهدفتا مساجد شيعية أيضاً، تبناها تنظيم «داعش»، الذي يسيطر على مناطق واسعة من العراق وسوريا، وراح ضحيتهما 22 شخصاً على الأقل.

وثمة عدة دلالات لعملية «الصوابر» الإرهابية ومثيلاتها في السعودية، لعل أبرزها، أنّ التنظيم بات يُمثل تهديداً حالياً imminent للأمن الخليجي كله. وقد كانت أطماع داعش واضحة في بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ البداية.

وقد كشفت عن هذه الأطماع، الخرائط التي نشرها التنظيم بعد سيطرته على مدينة الموصل العراقية، وإعلانه قيام ما يسمى «الخلافة» في يونيو 2014، والتي تضمنت أجزاء من دولة الكويت يسعى للسيطرة عليها. ولهذا، يمكن القول إنّ مشاركة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في التحالف الدولي ضد داعش، تستهدف الحفاظ على وحدة وسيادة الدول الخليجية في مواجهة تهديدات وأطماع هذا التنظيم الراديكالي.

أما الدلالة الثانية، فتتعلق بأنّ هذه العمليات الإرهابية، وممارسات داعش في العراق وسوريا عموماً، تنطوي على تهديدٍ بالغ لأمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، على أكثر من صعيد، ولا سيما من ناحية إثارة النعرات الطائفية والفتن المذهبية في بعض الدول.

وقد أصاب كلٌ من أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، ورئيس وزرائه، الشيخ جابر المبارك، كبد الحقيقة، عندما أكدا أن تفجير الصوابر يستهدف الوحدة الوطنية، و«إثارة الفتنة والنعرات الطائفية البغيضة» في الكويت.

كما أنّ محاولات «داعش» لنشر الفكر المتطرف بين الشباب والنشء في الدول الخليجية والعربية والإسلامية، يمثل تهديداً للتعايش والسلم المجتمعي داخل هذه الدول. والواقع أنّ هناك علاقة اعتماد متبادل بين نشاطات «داعش» وتفشي الطائفية السياسية في المنطقة.

فمن ناحية، يُعد انتشار الطائفية السياسية بيئة ملائمة لظهور الراديكالية الإسلامية عموماً، وتنامي نشاط الحركات السنية الإرهابية، سواء كانت داعش أو القاعدة. ومن ناحية أخرى، تعمد هذه التنظيمات الإرهابية إلى صب الزيت على النار، بمعنى إثارة التوترات المذهبية وإشعال الفتن الطائفية، لأنّ ذلك سبيلها إلى تجنيد الأتباع، والترويج لدعايتها «السوداء»، بأنّها حامية حمى أهل السنة والجماعة.

وتُفيد الدلالة الثالثة، بأنّ مواجهة الإرهاب تتطلب استراتيجية شاملة. وفي هذا الخصوص، دعا سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، في خطابه أمام الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، المجتمع الدولي والدول الأعضاء، إلى التعاون للتصدي لكافة الجماعات الإرهابية..

واتخاذ تدابير شاملة لمحاربتها، من خلال استراتيجية واضحة وموحدة، وألا تقتصر هذه الجهود على العراق وسوريا فحسب، بل يجب أن تشمل مواقع الجماعات الإرهابية أينما كانت. وقد نبه الشيخ عبد الله، إلى أنّ التدرج في اتخاذ التدابير لن يعالج هذه التحديات، بل يتعين مضاعفة الجهود للتصدي لها بشكل فوري وفعّال، وأنّ مواجهة الإرهاب لا بد أنْ تتضمن مكافحة التطرف العنيف، وما ينتج عنه من معتقدات وأعمال إرهابية.

وأخيراً، فإنّ دعم دول مجلس التعاون للجهود الدولية الرامية لمكافحة الإرهاب، تأتي من منطلق إدراكها البالغ بأنها جزء لا يتجزأ من المجتمع الدولي، ولا يمكن أن تنعزل عن الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة هذه الظاهرة. وذلك أنّ خطر تنظيم «داعش»، ليس مشكلة إقليمية وحسب، وإنما مشكلة دولية أيضاً.