ارتقى جماعةٌ من خير الرجال إلى السماء شهداء، بإذن الله، وهم يدافعون عن خير الرجال ضمن القوات المشاركة في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لدعم الشرعية باليمن؛ فلا بأس عليهم بعد اليوم.
فقد جاهدوا، وأخلصوا النية في الجهاد، في سبيل الحق والواجب والعزة القومية، وخلّفوا لوطنهم وأمتهم العربية شرفاً أيما شرف، وسقوا بدمائهم الزكية أملاً يتردد في صدور العرب من المحيط إلى الخليج بعودة الصف موحداً مرصوصاً، ومقاومة التفكك والانحلال اللذين يضربان من فترة جذور وحدات أمتهم العربية، ومواجهة الاختراق الأجنبي لشؤونهم الداخلية.
وكما كان لانهيار سد مأرب في القرون الغابرة أبلغ الأثر في انتشار العرب في شبه الجزيرة العربية ووضع بذور تكوين الأمة العربية، فإنّ تفجير مأرب الغادر، في الرابع من سبتمبر الجاري، سوف يكونُ له أبلغ الأثر في عودة الأمل لأصل العرب في اليمن وعودة الروح للأمة العربية التي تُحيط بها الأخطار من كل جانب.
إنّ الشهداء الذّين ارتقواْ من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، والفرسان الذّين يذودون عن حِياض الأمة وشرفها في عدن وأبين ومأرب والضالع والبيضاء وتعز وتخوم صعدة وصنعاء إنما يُسطرون بدمائهم وبجهادهم أروع الصفحات في معركة الأمة الحقيقية لاستعادة روحها نقيةً كما كانت، وعودة لُحمة أبنائها بحيث إذا اشتكى منهم نفرٌ تداعى إليه سائرهم ولو بالدم. إنّ الشهداء الذّين استقرت أرواحهم العزيزة عند ربهم ضربواْ المثل وكانواْ القدوة في جِهاد التدخل الأجنبي الذّي ألبس الأمة شيعاً يضرب بعضها رقاب بعضٍ؛ من أجل أنْ يُتاح له التقدم على رقابهم جميعاً في قلب أرض العرب وموطن شرفهم: اليمن السعيد.
لا بأس على شهدائنا الأبرار بعد اليوم؛ فقد أضاء «خير الرجال» النفق المظلم الذي ظلت أمتهم تتخبط في ظلماته ردحاً من الزمن، وبصّرواْ إخوانهم من بعدهم إلى معركة الأمة الحقيقية، ومهدواْ الدروب اليمانية لعودة اليمن عزيزاً إلى أهله وحكومته الشرعية، وحالواْ دون الاحتلال الحوثي والقوات/ الميليشيات الموالية لعلي عبدالله صالح، المدعومين من أطرافٍ خارجية عبر الخليج، وتحقيق أغراضهما في إشعال نار الطائفية الدينية واللبنة السياسية وتقسيم البلاد والعباد إلى كانتونات وشيع، يُذيق بعضها بأس بعضٍ، وساهمواْ أية مساهمة في إحياء «الحُلم العربي» في التضامن والتماسك والاندماج.
لا بأس على شهدائنا الأبرار بعد اليوم؛ فقد كانواْ درع الأمة الواقي، الذي حال دون استمرار انفراط عقدها. وما أشك في أنهم وضعواْ اللبنة في استعادة تماسك النظام العربي، بعد أنْ نوّحت الغربان والحدادي في الداخل والخارج بتفككه وتفتته إلى دويلاتٍ وطوائف تُقاتل بعضها بعضاً.
لا بأس على شهدائنا الأبرار بعد اليوم؛ فقد كانت دماؤهم، وستظل، أصلب عوداً من الصاروخ الباليستي الغادر الذي أودى بحياتهم. ويوماً بعد يوم، تثبت هذه الدماء الزكية أنّها أقوى من الرصاص والصواريخ ودانات الدبابات؛ فقد يسرت السبيل على من جاؤوا من بعدهم ليس فقط لتخليص جزء عزيز من الأمة العربية من التمدد الأجنبي وما ينشره من طائفيةٍ مقيتة وعصبيةٍ منتنة ودعاوى انفصالية، وإنما أيضاً للحفاظ على الوحدة اليمنية التي عجزت النار والقذائف والدبابات في الاستمساك بها من قبل.
لا بأس على شهدائنا الأبرار بعد اليوم؛ فقد كان يوم شهادتهم عيداً قومياً ووطنياً؛ وما أقل الأعياد في حياة العرب هذه الأيام. بيدّ أنّ العيد القومي الذي خلقه هؤلاء ليس ككل الأعياد؛ فقد كان مزيجاً عجيباً من الحزن على فراق هؤلاء الأبطال، والفخر بأنّ العرب أصبح لهم أنياب وبأنّهم مرابطون متحدون في أرض اليمن وجوه، والتضامن الذي أظهر أفضل ما في العرب شعوباً وحكومات والذي أثبت أنه قيمةٌ عزيزة لم ننلها إلا بدماء الشهداء.
بيدّ أنّ العيد الوطني الذي خلقه هؤلاء ليس ككل الأعياد؛ فقد قدمت شهادتهم شهادة أخرى على أصّالة معدن هذا الشعب؛ فالمحن وحدها تكشف المعادن الأصيلة، وعلى التلاحم العجيب بين القيادة الرشيدة والشعب الأصيل. كما قدمت شهادة الفرسان الذّين ارتقواْ مادة جديدة غنية للفخر الوطني لإخوانهم ووطنهم من بعدهم.
وأخيراً، وليس آخر، إنّ تضحية الأبطال لم تذهب سُدىً؛ بل أسست لمرحلةٍ جديدة في معركة استعادة اليمن لشعبه وأهله، وبمساعدة أشقائه العرب في التحالف المؤزر الذي تقوده المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، من قبضة الحوثيين وزُمرة الرئيس المخلوع وحلفائهم الإقليميين. بل أكاد أزعم أنّ شهادة الأبطال سوف تؤسس لمرحلة جديدة من استعادة ثقة العرب في أنفسهم، وفي قيادتهم، وفي إمكانية استعادة دولهم، بل وأمتهم العربية، التي يتخطفها أعداء الداخل والخارج من كل الأقطار.