علاقتي بنيافة الأنبا أرميا علاقة قديمة ولكن هذه العلاقة التي قد ترجع إلى أكثر من عقد من الزمان ليست هي موضوع حديث اليوم في هذا المقال، وإنما يدور المقال حول الكتاب القيم الذي كتبه الأنبا أرميا عن قناة السويس الجديدة.
ويقع هذا الكتاب في أبواب ثلاثة، الباب الأول – ولعله أهم أبواب الكتاب بالنسبة لي – هو باب تاريخي يتحدث فيه المؤلف عن القناة عبر التاريخ مبيناً في هذا الباب أن القناة التي يتحدث عنها الآن ليست بنت الأمس القريب ولكنها، أو على الأدق، أصلها يعود إلى حقب بعيدة في تاريخ مصر لعل أولها يرجع إلى قرابة ألفي عام قبل الميلاد، حيث شقت قناة سنوسرت الثالث. ومن بعده قناة سيتي الأول ثم قناة نحاو الثاني وهكذا.
وبأسلوبه الشيق كتب الأنبا أرميا في مقدمة كتابه الجميل يقول: إن قصة قناة السويس تبدأ مع مهد حضارة الفراعنة ثم بدأت تتضح معالمها أيام محمد علي ثم يتحقق الحلم بأيد مصرية مع سعيد باشا لتصبح قناة السويس درة غالية من مصر إلى العالم أيام الخديوي إسماعيل باشا.
وقد بدأ حفر القناة الحالية عام 1859 تحت إشراف المهندس «فرديناد ديليسبس» وانتهت أعمال حفر القناة في أغسطس 1869 أي بعد عشر سنوات من بدأ الحفر الذي قام به فلاحون مصريون عن طريق السخرة ومات آلاف منهم لا يعرف أحد لهم اسماً ولا مقراً وافتتحت قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل في حفل أسطوري في نوفمبر 1869م وحضر الحفل كثير من أباطرة العالم وملوكه.
من المسائل المهمة التي يعرض لها الصديق العزيز نيافة الأنبا أرميا اكتشاف رأس الرجاء الصالح في أواخر القرن الخامس عشر الميلداي الذي تأثرت مصر باكتشافه تأثراً كبيراً إذ لم تعد السفن التجارية تمر بها بل تكمل دورتها حول القارة الإفريقية للوصول إلى الهند التي كانت قاعدة الاستعمار البريطاني عندما كانت «بريطانيا العظمى» لا تغيب عن إمبراطوريتها الشمس.
وفي ذلك التاريخ كان الصراع بين الإمبراطوريتين الكبيرتين: الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية الفرنسية – وكان اكتشاف رأس الرجاء انتصاراً للإمبراطورية البريطانية على غريمتها الفرنسية. ولكن الفرنسيين لم يذعنوا وبدأ التفكير الجدي في حفر قناة السويس في العصور الحديثة الأمر الذي تحقق في عهد إسماعيل كما سبق أن ذكر الأنبا أرميا في كتابه الجامع الشامل.
وفي نوفمبر 1854 م أصدر سعيد باشا «الفرمان الأول وهو فرمان عقد امتياز قناة السويس الذي جاء بدوره » يقدم السيد فردناند ديليسبس بتأسيس شركة تسمى «الشركة العامة لقناة السويس» – وأن يقوم هو بإدارتها . وأن تكون مهمة الشركة الأساسية هي إنشاء مدخلين أحدهما على البحر الأبيض والآخر على البحر الأحمر.
نص الفرمان على أن تمنح الشركة امتياز إدارة قناة السويس لمدة تسعة وتسعين عاماً تبدأ من تاريخ فتح القناة للملاحة.
وما أن تم افتتاح قناة السويس حتى سعت بريطانيا للاستيلاء عليها وذلك عن طريق شراء حصة مصر من أسهم القناة التي تمثل 44% بثمن بخس قدر بمبلغ تسعة وثلاثين مليون جنيه مصري.
وإذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر وقد أراد الشعب المصري الحياة وقامت بعد الثورة الأم ثورة 23 يوليو 1952 ثورتان وفي الثورة الثانية تأكدت سيادة الشعب بإرادة أكثر من ثلاثين مليون مصري.