بعد أن استعاد الشعب المصري مؤسسات دولته، التي كانت قد اغتصبت بعد الخامس والعشرين من يناير من قبل مَن لا يستحقون شرف الانتماء إلى مصر، جاءت ثورة الثلاثين من يونيو، لكي تعيد الدولة المصرية العريقة إلى أهلها، وأعلن بعد ذلك عن خريطة الطريق التي تتكون من مراحل ثلاث. وقد تمت مرحلتان من هذه الخريطة، وبقيت المرحلة الثالثة التي نحن بصددها الآن.
وقد كانت المرحلة الأولى هي وضع مشروع الدستور والاستفتاء عليه، وكانت المرحلة الثانية هي انتخابات رئيس الجمهورية.
ونحن الآن على أبواب المرحلة الثالثة، وهى انتخاب مجلس النواب.
وعندما يسعى هذا المقال إلى قارئه صباح يوم الاثنين المقبل تكون الانتخابات النيابية قد تم إجراؤها فعلاً في الدائرة التي أنا مقيد بها بمحافظة الجيزة.
وسوف أذهب مبكراً إلى مقر الدائرة لأقوم بواجبي الانتخابي.
وأنا أكتب الآن في- مساء الجمعة – في ما أطلق عليه مرحلة الصمت الانتخابي.
وهى تجربة جديدة عليّ، لكنى أعتقد أنها تجربة طيبة ومفيدة، حيث يستطيع الناخب في هذه المرحلة – مرحلة الصمت الانتخابي – أن يفكر بشيء من التروي في المرشحين، الذين سيتحمل مسؤولية اختيارهم.
أنا واثق بأن الانتخابات ستجرى بغير أي نوع من المسخ أو التزوير الذي اعتدنا عليه في الأغلب من مجالسنا الانتخابية في ما مضى من انتخابات ذلك أنه لا أحد من مؤسسات الدولة له صالح في مثل هذا التزوير كما أن عيون العالم كله متجهة الآن إلى مصر لترى ماذا سيحدث في هذه الانتخابات. لقد اكتسبت مصر في الفترة الماضية ثقلاً دولياً. وقد بدأ هذا الأمر – الثقل الدولي لمصر – منذ انعقاد المؤتمر الافتصادي في شرم الشيخ، ثم الانتهاء من حفر قناة السويس الجديدة بأيد مصرية وأموال مصرية، لتكون بحق هدية مصر إلى عالمها.
وأصبح هذا الثقل الدولي حقيقة مؤكدة لا مرية فيها، بعد أن حازت مصر تلك الأغلبية الساحقة في انتخابات الأمم المتحدة لأحد المقاعد – غير الدائمة – في مجلس الأمن الدولي، الذي هو أهم مؤسسات منظمة الأمم المتحدة.
وخطورة القضايا التي ستعرض على المنظمة، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية تجعل لوجودنا في مجلس الأمن أهمية خاصة ذلك إلى جوار العديد من القضايا المهمة التي ستعرض على مجلس الأمن خلال عامي 2016 و2017، أي في فترة عضوية مصر في مجلس الأمن.
ومن هذا كله تبدو أهمية الانتخابات الحالية، أما أهمية المجلس القادم فإنها أيضاً أهمية كبيرة.
أول المهام التي تنتظر المجلس هي إقرار التشريعات التي حدثت في غيبة المجلس، وهى كثيرة متعددة ومتشعبة الموضوعات.
وقبل النظر في هذه التشريعات التي يتعين أن يبدأ نظرها خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس – وإن جاز للمجلس بطبيعة الحال أن يؤجل مناقشة بعض هذه التشريعات إلى مواعيد لاحقة.
ولكن ما هو مهم وعاجل، فهو وضع اللائحة الداخلية لعمل المجلس، وهو عمل فني دقيق، وفى غاية الأهمية والخطورة.
صحيح أن تجربتنا البرلمانية ترجع الآن إلى قرابة قرن من الزمان، منذ ثورة 1919 ودستور 1923، بل وترجع إلى أيام الخديوي إسماعيل، وما كان موجوداً في عهده من مجالس تشريعية كانت نهضة مصر، بعد محمد علي وخلال حكم إسماعيل قد أذنت بها. «في عهد إسماعيل مجلس شورى النواب»، بمقتضى لائحة ودستور 1866 ولكن كل هذا لا يهَون من خطورة ما نحن مقبلون عليه، ما يستوجب أن يكون كل مواطن مصري على قدر المسؤولية الملقاة عليه أمام هذا البلد الذي أعطانا كل شيء، وينتظر منا أن نرد له بعض الجميل. إنها مسؤولية وإنها أمانة.
يجب أن نسعى جميعاً إلى صناديق الانتخاب. هذه مسؤولية كبيرة وعلينا جميعاً أن نجعل مصلحة الوطن نصب أعيننا ونحن نختار نوابنا.
والله يحفظ مصر، ويوفق شعبها إلى ما فيه خيرها، وخير أمتها العربية.. والله المستعان.