في بيت شعر واحد من قصيدة باكية – ولكنها مع ذلك رائعة – جمع الشاعر العذب والصديق العزيز فاروق جويدة – في هذا البيت – من الشعر - بين أحزان مآذن قرطبة ... ومآسي المسجد الأقصى.
ولكن كيف كان ذلك ؟ وما هي حكاية قرطبة التي لا شك أن الكثيرين لا يعرفون عنها الآن شيئاً وإن كان الكثيرون قد سمعوا عن مأساة المسجد الأقصى – الذي بورك حوله – دون أن يحركوا ساكناً شأنهم في ذلك شأن غيرهم من الملايين.
أما قرطبة فهي مدينة أندلسية كانت في ظل وجود العرب في الأندلس تصدح مآذنها بالأذان وبأن الله أكبر خمس مرات في اليوم وكان الأذان الكريم يدوي حتى يصل لسكان أوروبا كلها – لقربها من الأندلس. تسمع ذلك الأذان. ولكن كيف اختفى الأذان من على مآذن قرطبة ؟
يروي الشاعر المبدع قصة مآذن قرطبة وأحزانها في تمثيلية شعرية رائعة اسمها «الوزير العاشق» وقد قامت سيدة المسرح العربي سميحة أيوب بدور «ولاّدة بنت المستكفي» والذى قام أمامها بدور «ابن زيدون» الممثل القدير عبدالله غيث. وقد قدمت المسرحية في مصر في شهر نوفمبر عام 1984م أي منذ واحد وثلاثين عاماً الآن بالتمام والكمال – ( حيث إننا الآن في شهر نوفمبر).
أعترف أنني وإن لم أكن «الوزير العاشق» الذي تتحدث عنه المسرحية إلاّ أنني عاشق للمسرحية منذ قرأتها أول مرة ولست أدري كم من عشرات المرات قرأتها وفي كل مرة أقرأها تدمع العين على مآذن قرطبة وعلى ما صار إليه حالنا طوال هذه السنين حتى وصلنا الآن إلى مأساة المسجد الأقصى .
وأخشى وأنا أكتب عن مأساة قرطبة كما رواها شاعرنا المبدع أن أجد نفسي أروي كل أبيات المسرحية ولكني سأغالب نفسي وأقتصر على بعض أبياتها.
أسمع ابن زيدون – الوزير – يقول لملك الأندلس آنذاك :
« الواقع العربي يا مولاي ينبئنا، بأن كوارث الدنيا ستلحق بالعرب، حرب هنا .. حرب هناك،... سنضيع يا مولاي.
وفي مكان آخر يقول الشاعر على لسان أحد الممثلين:
صرنا مع الأيام أقزاماً، نبيع الحقد في زمن عقيم، كنا حماة الدين .. صرنا لعبة يلهو بنا خصم لئيم.
وإذا كنت قد أكثرت من الاستشهاد بأبيات التمثيلية، فقد قلت عذري في بداية المقال : أنا عاشق لها وأنا كلما قرأتها عشقت أحداثها وتألمت ودمعت عيناي على ما نحن فيه وما يعانيه «القدس» على أيدي العصابة أو العصبة الصهيونية ونحن كلنا نغط في نوم عميق لن نصحو منه - فيما يبدو لا قدر الله- إلاّ وأقدام الصهاينة تدوسنا جميعاً ويتحقق حلم صهيون من«النهر إلى البحر».
ومن عجب – وإن كنا نعيش في زمن العجائب – أن السلطات الإسرائيلية تشرف على الزيارات التي يقوم بها المسلمون وغير المسلمين إلى المسجد الأقصى وتضع قيوداً على الفلسطينين الذين يريدون دخول المسجد للصلاة وتحدد أعمار معينة – من كبار السن – تسمح لهم أحياناً بدخول المسجد للصلاة.
وتحاول إسرائيل أن تجري قسمة زمانية ومكانية للمسجد الأقصى وتمهد الأمور لكى تعيد بناء «المعبد» على أنقاض الأقصى وهكذا نصل إلى مصير قرطبة.
وأرجو أن هذا الخطر سيجعل العرب والدول العربية تفيق من غفوتها قبل فوات الأوان.